من البديهيات في مجتمعنا السعودي أنك تستمع إلى كثير من الشكاوى في أية لقاءات أو اجتماعات عامة أو خاصة، حتى لو كانت بين أفراد الأسرة الواحدة والأهل والأصدقاء والمعارف.
والموضوع الأثير في هذه الاجتماعات هو الشكاوى والتبرم مما هو حاصل في كثير من الأمور، وكأننا مجتمع يوتوبيا يجب أن يكون خاليا من العيوب والنواقص. واللافت أنه بينما نحن نجأر بالشكوى والنقد لكل شيء، وكثيرون منا محقون فيما يقولونه، فإننا لا نأتي بالحلول أو المعالجات الضرورية، فنحن نكتفي فقط بالجانب السلبي، وهو الشكوى والتبرم من أي شيء وكل شيء.
وتبدأ قائمة الشكاوى الطويلة والدائمة من موظفي الجوازات في المطارات، وكيف أنهم يتعاملون مع المسافرين بقسوة وبوجوه لا تعرف الابتسام، ثم تجيء الخدمات البلدية السيئة من البلديات في كل المناطق بلا استثناء. وهناك أيضا الشكاوى المستمرة من نظام المرور والاختناقات المرورية التي أصبحت تمثل لنا كابوسا حقيقيا، خاصة في ساعات الذروة صباحا عندما يذهب الطلاب إلى مدارسهم والموظفون إلى مكاتبهم، وظهرا عندما يعودون إلى بيوتهم.
وهناك أيضا الشكاوى التي لا تنقطع من المحاكم وطول فترة التقاضي، مرة بسبب غياب كتاب العدل، وأخرى بسبب غياب القضاة أو تأخرهم. أما رجال الأعمال فلهم شكاوى خاصة تتعلق بسوء الاستقدام، وعدم توفر العمالة الكافية، وتصل إلى الشكوى من إدارة الزكاة التي أصبحت تمثل لهم عقبة كأداء، وكأنهم لا يودون دفع حق الله.
وقد أكسبني الاستماع إلى هذه الشكاوى المستمرة مناعة خاصة، وأصبحت محصنا ضدها بالأمل المستمر والتفاؤل المتواصل بأن الأمور ستكون على ما يرام، وكل شيء سينصلح حاله إن شاء الله.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فلا بد أن نقول إن خدمات وزارة الداخلية قد تحسنت كثيرا بفضل استخدامها القوي للوسائل الالكترونية في كل تعاملاتها، بدرجة اختفت معها صفوف المراجعين أمام مكاتب الجوازات، وأصبح الحصول على تأشيرات الخروج والعودة وغيرها من أعمال يتم بسهولة ويسر وبسرعة مذهلة.
أين الخطأ إذن؟ ولماذا الشكاوى؟ الإجابة عن هذا السؤال تكمن لدى بعض الموظفين في بعض الإدارات الحكومية الذين لا يزالون متمسكين بممارساتهم القديمة، ولم يدركوا حتى الآن أن عليهم الصعود فورا إلى قطار رؤية 2030 حتى لا يفوتهم، وبالتالي يقبعون في أماكنهم بينما القطار يتحرك بعيدا، محققا آمال وطموحات المواطنين.
ومن أجل أن تختفي هذه الشكاوى التي أصبحت ممجوجة ومملة، علينا أن نعطي اهتماما خاصا بالرؤية وببرنامج التحول الوطني، وأن نعمل على إنجاحهما فهما زادنا للمستقبل. وعلينا أيضا أن نعمل جاهدين على إنشاء مسرعات لدعم وتعزيز أعمال الإدارات الحكومية وتوحيد جهودها لحل كل المشاكل والموضوعات، كما علينا أيضا أن نحدد القطاعات الرئيسة التي نحتاج إلى العمل فيها بكثافة، وهي الاقتصاد، والبيئة، والتعليم، والقضاء، وغيرها.
ويجب أن تكون لدينا مؤشرات لتقييم أداء المسؤولين عن هذه القطاعات حتى لا يركنوا إلى الكسل والتراخي، وحتى نقطع سيل الشكاوى، ولأجل هذه الغاية يجب أن يكون تركيزنا من الآن فصاعدا على الابتكار والإنتاجية. علينا أيضا تفعيل القوانين لكيلا تبقى حبرا على ورق، وأن نحدد بدقة أهدافنا وغاياتنا، ولا نترك الحبل على الغارب في كل ما يتعلق بشأننا الداخلي وقضايانا المحلية التي هي محل الشكوى والتبرم.
ولأجل هذا فنحن نحتاج إلى نظام قضائي يضمن حق كل إنسان في العدالة، وفي سرعة التقاضي، لكيلا تأخذ القضايا البسيطة سنوات وسنوات لإنجازها، تذهب فيها الأطراف المتقاضية إلى المحاكم مرات عدة، والعدالة الناجزة مطلب لكل إنسان. ونحن نحتاج إلى نظام قضائي يتمتع بمستويات عالية من النزاهة، والاستقامة والمهنية. ويجب أن يكون هذا النظام هو الضمانة الكافية للحقوق المدنية لكل مواطن ومقيم في هذا البلد الكريم.
إنني أرجو من القضاة جميعا أن يكونوا المثل والقدوة من خلال التزامهم التام بالتعاليم والقيم الإسلامية السمحة. ولا يساورني أدنى شك في أنه إذا أطلقنا هذه المسرعات لدعم وتعزيز جهود الحكومة وبدأنا في تطبيق مؤشرات تقييم الأداء بكل صلابة ومسؤولية، فإن الشكاوى المزمنة ستقل كثيرا، وسيكون تركيزنا على أمور أخرى تؤدي إلى تطور مجتمعنا واستقراره.