استقبل الشعب السعودي بكثير من الفرح والسرور إعلان الأمير سلطان بن سلمان، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن منظمة اليونسكو قد اعتمدت منطقة جدة التاريخية في قائمة التراث العالمي. وكشف الأمير أن لجنة التراث العالمي قد وافقت على تسجيل جدة في قائمة التراث العالمي خلال دورتها الثامنة والثلاثين التي عقدت مؤخراً في دولة قطر.
وغمرت الناس الفرحة لأن الإرث التاريخي لمدينة جدة العتيقة قد وجد أخيراً، الاعتراف العالمي وإن كان متأخراً.
ولا يعرف الكثيرون من سكان جدة الكثير عن تاريخها لكنهم أدركوا الآن أن هدم أو تدمير أي مبنى أثري في المدينة سيكون عقابه السجن.
إن جدة مدينة ضاربة الجذور في عمق التاريخ ولها موقع متميز فهي بوابة الحرمين الشريفين في مكة والمدينة كما أنها ملتقى الحضارات الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
ومع التغير السريع في الطبيعة الديموغرافية للمدينة بسبب الهجرات المتزايدة من الريف للمدينة وتدفق الناس من القرى والهجر إلى جدة مع غياب الاستراتيجية الكاملة والتخطيط الشامل لحماية الإرث التاريخي لهذه المدينة، فقدت جدة الكثير من آثارها التاريخية الخالدة.
وقد شاهد الكثيرون منا بكثير من الأسى والحزن تدمير مسجد الباشا في مدخل شارع الملك عبد العزيز المواجه لمبنى البنك الأهلي التجاري الحالي.
وكانت مئذنة ذلك المسجد التاريخي مائلة على شاكلة برج بيزا المائل في إيطاليا. وتمت إزالة هذا المسجد الأثري بمئذنته المائلة من أجل التوسع في غابات الإسمنت والحديد المسلح.
وفي حي البغدادية أزيلت الكثير من المباني والمواقع التي كانت في يوم من الأيام جزءاً أصيلاً من تاريخنا.
وقد وصف الكولونيل تي. إي لورانس، الذي قاد القبائل العربية والجيوش البريطانية النظامية جدة وصفاً جميلاً في كتابه «أعمدة الحكمة السبعة»، كما وصفها أيضاً عدد من المستشرقين في كتبهم لكن مع الأسف لا يوجد الكثيرون منا مهتمون بقراءة كتب التاريخ.
وقد غابت عنا الجهود الجادة لحماية أماكننا التراثية وذلك لقلة وعينا بأهمية الإرث التاريخي والثقافي لمدينة جدة العظيمة.
ولعله يبعث السعادة في النفوس أن نرى بعض سكان جدة وقد بذلوا مؤخراً الجهود لإعادة إحياء ثقافتنا والاحتفاء بتاريخنا. وهناك الكثير من التاريخ في هذه المدينة الخالدة الذي يمكن اكتشافه. وعلى سبيل المثال من سيصدق أنه كانت في جدة قنوات لجلب المياه تماماً مثل روما القديمة وأثينا.
كم منا يعرف أن البرتغاليين حاولوا احتلال جدة في القرن الخامس عشر وكادوا ينجحون.
ولعل من المحبط أن العائلات القديمة في جدة ظلت تتفرج على مدينتها وهي تتلاشى أمام أعينها، وأهملت هذه العائلات منازلها القديمة واهتمت فقط بقصورها وفيلاتها الجديدة، ومن العجيب أن ملاك المباني القديمة قاموا بتأجيرها بأثمان بخسة للعمال الأجانب الذين لم يصونوها ولم يحسنوا استخدامها.
ومن المؤسف أيضاً أن كل الأمناء العامين الذين تعاقبوا على بلدية جدة لم يفعلوا شيئاً لحماية جدة القديمة بحجة أن الميزانية لا تسمح بذلك.
ونحن نأمل، بوجود الأمير سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء عربي ومسلم، على رأس الهيئة العامة للسياحة والآثار، بأننا سنولي عناية أكبر للاهتمام بآثارنا ومواقعنا التاريخية والأثرية وهي كثيرة والحمد لله في بلادنا المترامية الأطراف.
إن الشعوب في العالم بأسره تولي اهتماماً خاصاً بتاريخها لأنها تعلم أنه لن يكون لها حاضر أو مستقبل إن لم يكن لها تاريخ. وإن هذه الشعوب تعمل بجد واجتهاد للمحافظة على مواقعها التراثية. بينما نحن لا نفعل شيئاً غير الشكوى والتبرم.
ونحن نأمل بأن تسجيل مدينة جدة في قائمة اليونسكو للمدن التاريخية سيكون دافعاً قوياً لنا للحفاظ على الإرث التاريخي لهذه المدينة وصيانته.
وقد أظهرت الحكومة عزمها القوي على صيانة المواقع التاريخية والأثرية وذلك من خلال موافقة مجلس الوزراء مؤخراً على نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني. وبموجب هذا النظام سيتم إيقاع عقوبة السجن والغرامة على كل من يعرض المباني التاريخية للهدم والإزالة والتخريب.
والآن فإن من واجب الشعب أن يساعد في تنفيذ هذه القرارات الحكومية الرامية إلى المحافظة على التاريخ والتراث بالإبلاغ الفوري عن كل من تسول له نفسه المساس بهذه الموروثات التاريخية القيمة.