Skip to content Skip to footer

حيث يوجد إسلام ولا مسلمين

سوف أواصل في مقالي هذا الأسبوع، إن شاء الله، التركيز على قيمنا الإسلامية وألفت الانتباه إلى الأمور السالبة التي أدت إلى تخلف المجتمعات الإسلامية.

وأنا من أشد المؤمنين بأن واجب كل مسلم ومسلمة اليوم هو إبراز النواقص وإزالة الشوائب التي أدت إلى تآكل قيمنا الإسلامية الجميلة، كما أن من واجب كل مسلم ومسلمة الدعوة إلى العودة إلى تقاليدنا الإسلامية السمحة التي تدعو إلى حسن المعاملة، والصدق والأمانة، والتسامح وغيرها من فضائل كثيرة.
وكنت قد قرأت الأسبوع الماضي موضوعا في صحيفة إنجليزية بعنوان «أيرلندا تقود العالم في القيم الإسلامية بينما العالم الإسلامي يرزح في المؤخرة».
وكان أساس هذا الموضوع دراسة عملية أجراها أكاديمي مشهور من جامعة جورج واشنطون الأمريكية في 208 من البلدان والمناطق.
وكشفت الدراسة أن تعاليم القرآن تظهر بوضوح في الدول الغربية على حساب الدول الإسلامية. واختتم الباحث الأكاديمي بقوله إن الدول الإسلامية قد فشلت في مبادئ وقيم عقيدتها الخاصة في السياسة، والتجارة، والقانون، والاجتماع وغيرها من الأمور.
وخلص الأكاديمي إلى أن أيرلندا هي الدولة الأكثر تمثيلاً للقيم والمبادئ الإسلامية في العدالة، والحرية، والكرامة ولقمة العيش.
وجاءت كل من الدنمارك، ولوكسمبرج ونيوزيلندا، وبريطانيا في قائمة العشر دول الأولى الأكثر تطبيقا لمبادئ الشريعة الإسلامية مع أنها دول غير إسلامية.
وكانت الدولة الإسلامية الأولى في القائمة، وهي ماليزيا، قد جاء ترتيبها الثالثة والثلاثين، تلتها الكويت في المركز الثامن والأربعين.
وكانت الدراسة العملية الرصينة قد اعتمدت على مؤشر الاقتصاد الإسلامي، والسياسات والمنجزات التي حققتها الدول في مجال الصيرفة والاقتصاد الإسلامي.
ويجب أن نعترف هنا بلا خجل أن غياب المثل والمبادئ الإسلامية هو الذي أدى إلى تخلفنا الاقتصادي.
ومن بين المؤشرات التي اتخذتها الدراسة في الحسبان: الممارسات الاجتماعية، والفساد، والبيروقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير، والعدالة، وغيرها من أمور وتحتل أيرلندا أيضاً المرتبة الأولى من حيث فرص العمل المتوافرة لمواطنيها والأجانب المقيمين فيها.
ومما يؤسف له أن كل هذه القيم الإسلامية النبيلة غير موجودة في سلوكنا اليومي ولا تتوافر في دولنا الإسلامية، بل هي موجودة في الغرب، حيث هناك إسلام لكن لا مسلمين.
ولم تفاجئ هذه النتيجة الدكتور علي سالم، عضو المركز الثقافي الإسلامي في أيرلندا، الذي قال إنه بينما يدعو القرآن الكريم أتباعه إلى العمل لتحقيق الرفاه الاقتصادي، فإننا نجد أن دبلن واحدة من أكبر المراكز الاقتصادية للاستثمارات الإسلامية.
وعندما ناقشت نتائج هذه الدراسة مع بعض الأصدقاء، أجمعوا على أن الدول الإسلامية لم تفعل شيئاً في تطبيق قيم ومبادئ عقيدتها، بل فعلتها الدول غير الإسلامية. وقالوا إن المسلمين يتحدثون كثيراً عن المبادئ الإسلامية دون أن يمارسوها على أرض الواقع. ونحن في حاجة إلى أن نذكر المؤمنين بأن الإسلام ليس هو فقط أداء الشعائر من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج، لكنه في الأساس «المعاملة».
وقد قال رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، «إن الدين المعاملة».
إن الإسلام في حقيقته هو منهج حياة يستهدف خير ونماء الأمه الإسلامية وشعوب العالم أجمع، كما أنه دين الأخلاق الحميدة، والثقافة الشاملة، والأمانة الشديدة في التعامل. وللأسف الشديد فإن كل هذه القيم النبيلة لا تحتل إلاَ جزءاً ضئيلاً في حياتنا.
وإذا ذهب أي منا إلى أي مكتب حكومي في أي دولة أوروبية، مثل المحاكم أو مكاتب الجوازات والهجرة، فإنه سيستقبل بالابتسامة الصادقة ويعامل المعاملة الكريمة التي تحفظ إنسانيته وكرامته.
وأذكر في هذا الصدد أنني ذهبت في لندن لاستخراج شهادة ميلاد لابنتي بديلاً عن الشهادة الأصلية التي أضاعتها. ووقفت لهذا الغرض أمام موظفة مقطوعة اليد فابتسمت بصفاء في وجهي وقامت تبحث في الملفات، وما هي إلا دقائق حتى سلمتني الشهادة المطلوبة.
إن هؤلاء الموظفين ينضحون إنسانية، كما أنهم أمناء ومخلصون وعلى استعداد دائم للخدمة. وبذلك فهم نماذج صادقة للإسلام رغم أنهم غير مسلمين.
إن الإسلام ليس شعائر تؤدى ميكانيكيا في أوقات معينة، لكنه السماحة والمروءة والتفاني في خدمة الآخرين وحسن معاملتهم.
ولا يستدعي أن تكون مسلماً متدينا أن تلبس ثوباً قصيراً وتطلق لحيتك وتحف شاربك.
إن الأمر أبعد من ذلك، إنه الصدق، وكريم المعاملة، والإيثار، والأخلاق الحميدة، والشعور بالآخرين، والتعاطف معهم ومساعدتهم بلا منٍ ولا أذى .
إن الإسلام هو الخير، والعدالة، والشفافية.
ولا مندوحة أن تجيء أيرلندا وغيرها من الدول الأوروبية على رأس قائمة الدول التي تطبق تعاليم الإسلام دون أن يكون فيها مسلمون، لأنها ببساطة تطبق معايير العدل والأمانة وحسن المعاملة، وهي القيم التي جاء بها الإسلام.

خالد المعينا

Leave a comment