حين نتصفح الصحف المحلية، ومنها هذه الجريدة، فإننا سنلاحظ الكم الهائل من العناوين التي تتناول عجز عدد من الإدارات الحكومية عن التعامل مع كثير من أوجه القصور التي تعطل عجلة التنمية في بلادنا الحبيبة. ومن هذه الأخبار المثيرة للدهشة هو ما أعلنته وزارة الصحة بأن مدينة حائل لم تشهد أي مشروعات صحية جديدة خلال ربع قرن من الزمان. وما دمنا في مدار الحديث عن حائل فقد قرأت في إحدى الصحف خبراً صغيراً يقول إن طلاب المدارس في هذه المدينة قد ظلوا بدون كتب مدرسية منذ بداية العام الدراسي. وقرأت في صحيفتين أخريين خبراً عن تغريم إحدى عشرة ممرضة سعودية مبلغ 205 آلاف ريال بتهمة الإهمال في التعامل مع بعض المرضى. وآخر باكتشاف واقعة لتزوير توقيع وزير العمل لإصدار أكثر من ألف تأشيرة عمل من باكستان لصالح ثلاثة رجال أعمال سعوديين.
وجاء في الأنباء أيضاً أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) تملك تحت يدها (2500) حالة فساد موثوقة. وفي الواقع فإن قائمة الفساد والإهمال طويلة لكني لن أبحث فيها في هذا المقال بل سأركز على العنوان الذي يقول إن مدينة حائل ظلت بلا مشروعات صحية جديدة لمدة 25 عاماً. وأتساءل في هذا الخصوص: من المسؤول عن غياب المشروعات الصحية عن مدينة حائل ولهذه المدة الطويلة من الزمن؟ هل هي وزارة الصحة أو رؤساء الدوائر الحكومية المعنية في المنطقة؟ أم هم مسؤولون حكوميون آخرون؟ أم يا ترى المسؤول عن غياب المنشآت الصحية الجديدة في حائل هي وسائل الإعلام التي صمتت عن هذه المأساة لكل هذا الوقت الطويل؟ وأين هم سكان المدينة أنفسهم الذين لم يفتح الله عليهم بالشكوى من تردي الخدمات الصحية في منطقتهم؟
إن الأمر جد محزن لأننا نقرأ عن ميزانية الخدمات الصحية التي ترصدها الحكومة سنوياً والتي تصل إلى بلايين الريالات في الوقت الذي لا نرى فيه غير صور المسؤولين الصحيين وهم يبتسمون للكاميرات أثناء حديثهم عن المشروعات الصحية الضخمة التي نسمع عنها ولا نراها. وبعملية حسابية بسيطة نجد أن ما ترصده الدولة للخدمات الصحية يعادل الميزانيات السنوية لعدد من الدول. وفي هذا العصر الذي انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي وجد الناس وسائط الشكوى والتساؤل ولم يعد من الممكن إخفاء أي شيء عن الشعب أو تغطية أي أخطاء أو قصور لزمن طويل وعليه فإن أي مسؤول يحاول ذر الرماد في عيون الجماهير سيفشل فشلاً ذريعاً. لقد حان الوقت لكي نتبنى سياسة الشفافية الكاملة في كل ما نقول ونفعل وأن نعترف بأخطائنا ولا نحاول إخفاءها وإلا فإننا سندفع ثمناً باهظاً لذلك. ويجب على المسؤولين الحكوميين ألا يعولوا كثيراً على إدارات العلاقات العامة في وزاراتهم لكي ترسم لهم صوراً وردية بينما هم في الواقع يهملون مسؤولياتهم ويواصلون فشلهم الذريع في خدمة المواطنين. وعلى وسائل الإعلام أيضاً أن تتبع سياسة مسؤولة في متابعة الأخطاء وفي فضح القصور والتراخي وأن تكون شريكاً كاملاً للدولة وهي تسعى جاهدة لتحقيق الرفاهية والتنمية والأمن والأمان للشعب الكريم. وعلى وسائل الإعلام أن تكون متيقظة وحاسمة ومسؤولة في تغطيتها وأخبارها. كما علينا جميعاً كمواطنين ألا نتقاعس عن كشف المستور وألا نسكت على أي قصور من أي جهة حكومية كانت.
وقد أصبح واضحاً اليوم أن غياب الشفافية وعدم المحاسبة إضافة إلى نظام البيروقراطية العقيم، والواسطة، والمحسوبية هي من العوامل الرئيسة وراء التباطؤ في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. ويجب علينا ألا نقنع بمقارنة أوضاعنا مع الدول الأقل نمواً لكن لنتطلع إلى الدول المتقدمة وأن نتبع خطى النمور الآسيوية والدول الأوروبية في تحقيق تنميتها الاقتصادية.
ومن أجل أن ننجح، علينا أن نبعد أي مسؤول مهما كان وزنه تظهر عليه أعراض الفساد أو يسلك سلوكاً غير منضبط.