اليوم الجمعة، هو السابع من شهر رمضان الكريم، الذي تجري أيامه سراعا وكأنه في عجلة من أمره، وهذا هو شأن الضيف الكريم يرحل سريعا ولا يبقى طويلا حتى يمله المضيف.
ونحن في كل عام نطرح هذا السؤال: كيف يمضي رمضان سريعا ويرحل عنا بعد أن ألفنا مقدمه وفرحنا بحلوله علينا شهرا فرض الله سبحانه وتعالى صيامه علينا كما فرضه على الذين من قبلنا.
ورمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام وهو واجب على كل مسلم بالغ رشيد ليس به مرض ولا هو على سفر حيث يكون عدة من أيام أخر في هذه الحالة.
ونحن لا يجب أن نبحث عن أسباب فرض الصيام علينا كما يسوق بعض الناس عددا من المسوغات مثل الإحساس بالفقراء، والمساواة بين الغني والفقير، والتدريب على الصبر وإن كانت كل هذه من آثار الشهر الكريم إلا أن صيامه فريضة كتبها الله علينا فلا ينبغي والحال هذه أن نبحث عن أسباب ومبررات صيامه.
وكان آباؤنا الأولون يصومون في ظروف بالغة الصعوبة، منها قلة الغذاء، وشدة الحرارة، ومشقة السفر، وصعوبة العلاج وغيرها مما كانت ستمثل لنا سببا قويا للإفطار.
وقد لاحظت أن المعاني السامية للصوم قد اختلفت وأخذت منحنى مغايرا، فبدل أن يكون وقتا للتعبد والذكر وقراءة القرآن، أصبح زمنا للدعة والتكاسل، والتراخي، والنوم الطويل نهارا والأكل الكثير ليلا.
وكان نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنشط الناس في رمضان وأكرمهم كما كان أجود من الريح المرسلة في هذا الشهر الكريم، وقد ربح أولى وأهم معاركه ضد المشركين في شهر رمضان، وكان مقاتلوه على قلة عددهم وضآلة عتادهم من الصائمين.
ولم يقلل نبي الله الكريم من واجباته ومسؤولياته بسبب الصيام، كما أنه لم يقلل ساعات عمله ودأبه لأنه صائم وهدا ما يجب أن يكون عليه كل المسلمين.
واليوم ومع كل الرفاهية وأدوات الحياة الناعمة ومنها أجهزة التبريد والسيارات المكيفة وأنواع الطعام الشهية، وسهولة الأمور، نجد أن الإنتاجية قد قلت والنشاط تقلص والهمم اضمحلت والناس يمشون بتثاقل وكسل وكأنهم من الزومبي.
وأصبحنا في رمضان نسهر مع المسلسلات والبرامج الترفيهية التي تبثها القنوات الفضائية الكثيرة أو نذهب للتسوق، أو نجلس في المقاهي نحتسي القهوة ونشرب الشيشة ونحن نغتاب الآخرين وننهش لحمهم وبعد ذلك ننام نوما طويلا ببطون متخمة يتعذر معها القيام صباحا لنلحق بأعمالنا.
وإذا ذهبت صباحا إلى أي مكتب فإنك تجد الطاولات خاوية لأن الموظفين لم يحضروا للعمل لأنهم صائمون وهذا عذر أقبح من الذنب.
ولعل من أسوأ الظواهر في رمضان هي ضيق الخلق والنرفزة السريعة والغضب المتصاعد الذي عادة ما ينتهي بالتشابك بالأيدي، وبالتالي قضاء وقت الإفطار في حراسات الشرطة بدلا من قضائه في البيت مع الأسرة والأطفال.
وإذا مررت عصرا بأي مكان للفول والتميس فستجد الزحام الخانق وتسمع الأصوات العالية من الناس الذين يريدون أن يتقدموا الصفوف ويحصلوا على الفول الذي أصبح سيد مائدتهم في الفطور.
وهنا تظهر الاحتكاكات وتبرز العضلات فيما أسميته «معارك الفول» وهذه ظاهرة يجب أن نتوقف عندها وندرسها ونضع حدا نهائيا لها قبل أن تصبح جزأ لا يتجزأ من شهر الصيام.
وبعد معارك الفول ظهرت اليوم مشاكل جديدة هي (معارك الكنافة) حيث يحرص الكثيرون منا على شرائها لتضاف إلى موائدنا العامرة في الفطور والسحور ومثلما هو الحال في أماكن الفول، تكثر المعارك أيضا في محلات بيع الحلويات، وترتفع الأصوات وتزداد الشتائم التي تنتهي عادة في مخافر الشرطة، أو بصلح سريع بعد أن تكون الثياب قد تلطخت بالدماء.
وبالإضافة إلى معارك الفول والكنافة هناك المخالفات المرورية التي تكثر في رمضان بسبب الاستعجال في الأوقات الحرجة للحاق بالفطور قبل أذان المغرب.
ولا أغالي إن قلت إن القيادة في شوارع المملكة قبل دقائق من وقت الإفطار هي أشبه بعملية الانتحار، وهي تسبب الخوف والفزع في قلوب أقسى الرجال وأشهر أبطال سباقات السرعة مثل هاملتون أو شوماخر!
إنه شيء محزن أن نرى المعاني النبيلة لشهر الصوم تنداح ليحل محلها ضيق الخلق وسرعة الغضب والكسل واللامبالاة والإحباط وكل أمور تتعارض تماما مع مبادئ وقيم رمضان النبيلة. ومن هذا المنبر، أدعو كل الناس للتحلي بالصبر، والتسامح، وزيادة النشاط، والتصدق في هذا الشهر قبل أن تمر أيامه سريعا تاركة لنا الحسرة والألم.