قبل أيام شاهدت رجلا في أحد المواقف بمدينة جدة وهو يفرغ طفاية سيارته المليئة بأعقاب السجاير في الشارع كيفما اتفق.
وكنت قبلها بساعة واحدة شاهدت بالقرب من إحدى الإشارات رجلا في سيارة فارهة وهو يفتح بابه ويرمي ببعض العلب والزجاجات الفارغة على الطريق.
هذه ليست قصصا خيالية إنما هي أمور واقعية تحدث على مدار الساعة في مدينتنا الجميلة وغيرها من المدن في المملكة، لهذا فليس من المستغرب ألاّ تكون عروس البحر مدينة غير نظيفة طالما افتقر سكانها من مواطنين ومقيمين إلى روح التمدن والحضارة.
وفي حالات مثل هذه لن تكون المدينة نظيفة حتى ولو وظفت جيوشا من الكناسين، فهم لن يصنعوا الفارق ولن يكون لهم تأثير ملحوظ في مدينة مصرة على أن تتوشح بالأوساخ والقاذورات على مدار الساعة.
وقد شاهدت، ولا أستغرب أن يكون غيري قد شاهد أيضا، بعض الشوارع وهي تتسخ بعد ساعة واحدة من نظافتها.
أين تكمن المشكلة إذن؟ هل هي بسبب انعدام الانضابط والنظام عندنا؟ هل نحن شعب لا نهتم بالبيئة رغم اهتمام الدولة التي استحدثت وزارة خاصة لها؟ هل نحن أصبحنا شعبا لا يأبه بالنظافة الداخلية أو الخارجية؟ هل نحن كما لاحظ الآخرون شعب يفتقر إلى ثقافة النظافة ولن أزيد في الأوجاع وأقول أليس عندنا احترام للذات؟
إن السكن في البيوت الفاخرة وقيادة السيارات الفارهة والعيش في حياة مرفهة لا يعني أبدا أننا مواطنون صالحون.
ولكي نكون مواطنين صالحين، علينا أولا وقبل كل شيء، أن نولي اهتماما خاصا بنظافة البيئة لا سيما وديننا الحنيف يحض على النظافة ويقول إنها من الإيمان.
ومن الأشياء العجيبة المثيرة للدهشة في مجتمعنا أننا نذهب إلى المساجد ونخرج منها بعد أداء الصلاة وتناول وجبة الإفطار فنرمي بزجاجات المياه الفارغة والعلب البلاستيكية في الشوارع بطريقة عشوائية تتبخر معها كل معاني الصلاة التي أديناها قبل قليل وتذهب عبادتنا أدراج الرياح وذلك ببساطة لأن الصلاة والعبادات تزرع في النفس البشرية قيم الانضباط والنظافة والالتزام.
ومن هذا المنبر أطالب بتطبيق أقصى القوانين التي ستكون رادعا لكل من تسول له نفسه العبث بالنظافة العامة ورمي القاذورات بلا مبالاة لنظافة الشوارع والمحافظة على سلامة البيئة.
ولكننا نعود من جديد إلى الدائرة المفرغة، فإذا سلمنا جدلا أنه تم وضع القوانين الرادعة فمن سيكون مسؤولا عن تنفيذها: هل هي البلدية أم الشرطة أم الإمارة؟
إن احترام القوانين وتطبيقها يجب أن يتم حتى في غياب المراقبة، وفي هذا الصدد أذكر أنه في يوم جمعة في إمارة الشارقة قبل شهر تقريبا كنت أشاهد البحيرة القريبة من الفندق عندما لمحت بعض العمال العرب وهم يتناولون وجبة الإفطار.
وبعد أن انتهى العمال من الأكل جمعوا كل الأطباق والزجاجات البلاستيكية ووضعوها في كيس للقمامة ثم وضعوا الكيس في برميل القمامة الذي لم يكن بعيدا عنهم.
قام العمال بعمل كل هذا في الغياب التام للمراقبة أو الإشراف من قبل الشرطة أو البلدية وقلت في نفسي، سبحان الله، إنها قوة القانون ومتانة أنظمة بلدية الشارقة الرادعة.
إننا في حاجة إلى إدخال الأنظمة والقوانين التي ستحافظ على نظافة مدينتنا ويجب أن يواكب إدخال هذه القوانين حملات توعية موسعة في وسائل الإعلام والمدارس والجامعات، وذلك حتى يتم قبول هذه القوانين بأريحية وتنفيذها حتى في غياب الرقابة والإشراف ويجب أن يتم ربط هذه الحملات بالآثار الإيجابية الفاعلة لعملية إعادة التدوير وأن يشارك فيها كل الناس في جدة وغيرها من المدن السعودية.
وإلى ذلك الحين، يؤلمني، ويؤسفني أن جدة لن تكون ضمن قائمة المدن النظيفة في العالم.