Skip to content Skip to footer

لماذا التوجس من جاستا؟

شهر سبتمبر، الذي انقضى منذ عدة أيام، كان مليئا بالأحداث بالنسبة للمملكة العربية السعودية. بالإضافة إلى الأحداث الداخلية، كان أهم حدث على النطاق الخارجي هو قانون العدالة ضد رعاية الإرهاب (جاستا)، الذي أجازه الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب بأغلبية ساحقة.

وجاء اعتماد الكونجرس لهذا القانون المعيب بعد رفض الفيتو الرئاسي عليه من طرف الرئيس باراك أوباما في سابقة لم تتكرر منذ عام1983 عندما رفض الكونجرس اعتراضا بالفيتو من قبل الرئيس السابق رونالد ريجان.

وكان كثيرون منا يعتقدون أن اعتراض الرئيس أوباما قد دفن هذا القانون إلى الأبد، ولم يعلموا أن الكونجرس له رأي آخر.
وأثار رفض الكونجرس للفيتو الرئاسي ردود فعل غاضبة واستغراب وسط جماهير الشعب السعودي الذين تساءلوا عما يمكن أن يحدث لاحقا، خاصة أن هذا القانون يتيح لأسر ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة السعودية ودولا أخرى، مطالبين بالتعويضات المالية الكبيرة عن الأحباء الذين فقدوهم، رغم أن لجنة خاصة من الكونجرس وغيره من الأجهزة المعنية قد برأت ساحة السعودية من أي دور في تلك الأحداث، واستغرب الناس موقف الكونجرس، خاصة وقد كانوا يعتبرون أن كثيرا من الأعضاء هم أصدقاء السعودية، وكانت صورهم تتصدر الصفحات الأولى في صحفنا المحلية، ولم نتورع أبدا عن وصفهم بأنهم أصدقاؤنا.

والسؤال هنا: لماذا انقلب هؤلاء الأصدقاء علينا؟
والإجابة هي أن هذا العام هو عام انتخابات أمريكية رئاسية وبرلمانية، حيث يسعى كل المرشحين للحصول على أصوات الناخبين التي تمكنهم من الجلوس على مقاعدهم.
والواقع أن أصوات الناخبين هي التي أملت على أعضاء الكونجرس موقفهم المؤيد للقانون والرافض لاعتراض الرئيس الأمريكي عليه، وليس الحرص على التعويضات المالية لأسر الضحايا.
وقد أظهر النواب الأمريكيون من الحماس لإجازة القانون أكثر مما أظهرته أسر الضحايا، وليس ذلك حرصا منهم على حقوق الضحايا، بل حرص على كسب أصوات أسرهم وذويهم.

وأظهر اعتماد القانون فشل الدبلوماسية السعودية في إجهاضه قبل اعتماده، وتبيان موقف المملكة السليم وبراءتها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وجهودها المضنية لمكافحة الإرهاب والإرهابيين من خلال المواجهات الحاسمة والضربات الأمنية الاستباقية، وقد أصبح واضحا أن واشنطن ليست مهتمة بنا، بل مهتمة في المقام الأول بمصالحها الشخصية، ومنها التخلي عن الأصدقاء حتى المقربين منهم في سبيل رعاية المصالح الخاصة وكسب رضا الناخبين.

وقد كنا، مثل كثيرين من العرب الآخرين، نعتقد أن العلاقات الخاصة مع صناع القرار في أمريكا هي التي تقربنا زلفى بالمسؤولين في الإدارة، متناسين في غمرة ذلك أن السياسة ليس فيها أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، إنما فيها مصالح دائمة، وهنا كان خطؤنا القاتل.

ومن الأخطاء الأخرى التي ارتكبناها، ولو بحسن نية، تأجير بعض الأفراد وشركات العلاقات العامة لتحسين صورتنا في الولايات المتحدة.
وهذه الشركات وهؤلاء الأفراد لم يفعلوا شيئا غير ابتزازنا ماليا، وهم من الضعف وقلة الحيلة ما أثار استغراب الأمريكيين أنفسهم.

وقد حذرت كثيرا من التعاقد مع شركات العلاقات العامة والإعلاميين، لكن لم يسمعني أحد بكل أسف، وطالبت عوضا عن ذلك بالوصول إلى الشعب الأمريكي العادي بكل طوائفه وأعراقه، وهذه بادرة لم تكن لتكلف عشر تكاليف شركات العلاقات العامة النصابة.

وقد كان الأحرى بنا أن نخاطب الدوائر الانتخابية للنواب، وأن نوضح لهم مواقفنا المشرفة في دحر الإرهاب والإرهابيين، وأن نبني جسور التواصل معهم، لأنهم يمثلون السلطة الحقيقية في الولايات المتحدة.

إن السعودية ليس لديها ما تخفيه أو تخافه، وهي بريئة من كل الأعمال الإرهابية، لكن كان ينقصها الصوت الذي يوصل هذه الحقيقة الساطعة لجماهير الشعب الأمريكي، وليس للمسؤولين في واشنطن فقط.

نعم، إن لدينا كثيرا من المشاكل، لكن هذه أمور تخصنا وحدنا، ونحن قادرون على التعامل معها، وهذه القدرة السعودية تجعلني أقل خوفا واستغرابا من موقف الكونجرس الأمريكي.
إن أطماع النواب في الحصول على أصوات الناخبين، وسذاجة الناخب الأمريكي نفسه، وتقاعسنا عن إيصال صوتنا إلى الرأي العام الأمريكي.. كلها عوامل أسهمت في إقرار قانون جاستا.
إن حاجتنا إلى تحسين الصورة لا تتم عبر العمليات التجميلية، لكن عبر الإصلاحات والتصحيح على نطاق الجبهة الداخلية. كما يجب علينا أن نوضح لكل العالم عبر الحوارات البناءة والالتقاء بالقواعد أننا عازمون على مكافحة الإرهاب أينما كان، ليس بسبب الهجمات الإعلامية علينا، لكن لأن هذه سياسة بلادنا الثابتة والمتأصلة.

إننا نواجه العديد من التحديات، ليس أقلها جاستا، ونحن قادرون على احتوائها، ولنا من الترسانات والأسلحة الاقتصادية والسياسية ما يمكننا من مواجهة جاستا وتداعياته.

خالدعبدالرحيم المعينا

Leave a comment