Skip to content Skip to footer

غياب معاني العيد

احتفل العالم الإسلامي قبل يومين بعيد الفطر المبارك، بعد أن صاموا رمضان ودعوا الله العلي القدير أن يتقبل صيامهم وقيامهم، وفي هذا العام كانت أعداد المعتمرين كبيرة جدا، وشهدنا في العشر الأواخر جموعا غفيرة من عمار الداخل أو القادمين من الخارجين. وبينما هم في هذه الأرض الطاهرة الآمنة، هناك ملايين المسلمين في أنحاء متفرقة من العالم قضوا أيام العيد في رعب وخوف وفي انتظار المزيد من الأحزان والآلام. وليست الحروب وويلاتها هي وحدها التي تشكل حزن العالم الإسلامي، لكن هناك الفقر والجهل والمرض والاضطهاد والظلم والتعسف، وكلها ابتلاءات نسأل الله عز وجل في هذه الأيام المباركة أن يزيحها عنهم جميعا.
وللأسف بينما الناس في خواتيم هذا الشهر المبارك شهدنا من ويلات القتل والدمار بشكل مخيف في ظل تواصل مسلسل للعنف الذي أصبح منهجه القتل بدم بارد. ومن المؤسف حقا أن يتم والناس في شهر كريم هو وقت التعبد والتسامح والغفران، فقد نقلت الأخبار أحداثا مؤسفة في العراق حيث كانت الصورة مؤلمة وحزينة ولا نعرف كيف سيكون حال من فقدوا أحباءهم وديارهم خلال أيام العيد. وأيضا مسلسل القتل خلال هذا الشهر مرّ على تركيا وشهدنا الحادث المؤلم بمطار أتاتورك في إسنطبول وكذلك الحال في سوريا حيث يأتي عيد الفطر الخامس على التوالي والبلاد ترفل في الدم والأحزان والقهر ولا يدري أي أحد متى ينتهى هذا المسلسل الذي طال عرضه. وليست فلسطين بأفضل حال حيث تستمر المناوشات الدموية بين الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقية والمستوطنين اليهود الذين يصرون دائما على تدنيس المسجد الأقصى وقهر الفلسطينيين لإخراجهم من بلادهم.
ولم تسلم السعودية أرض الأمن والسلام من أحداث تراجيديا العيد فقد فجر انتحاري نفسه في مدينة جدة في أواخر أيام الشهر المبارك في مكان قريب من مشفى مشهور، ثم فجر انتحاري نفسه أيضا في المدينة المنورة بالقرب من الحرم النبوي الشريف أطهر وأشرف بقعة في الأرض، وفي نفس اليوم أيضا في القطيف عندما فجر ثلاثة انتحاريين أنفسهم بالقرب من أحد المساجد المجاورة لسوق «مياس».
لقد تطور العالم خلال الأعوام الأخيرة بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخه، ومع هذا التطور الهائل في مجال الاتصال والمواصلات، فإن وسائل الحروب أيضا تطورت وزادت وحشية الإنسان واستمر تدفق حمامات الدم. إن قوى الشر تقود الإنسان إلى هاوية مظلمة، ونحن لا ندري ماذا نفعل سوى التضرع إلى الله السميع المجيب في هذه الأيام المباركة، أن يهدي هذا الإنسان سواء السبيل وأن تنعم الإنسانية جمعاء براحة البال والاطمئنان وهدوء النفس. وللأسف الشديد فإن قوى الشر عادة ما تستهدف الناس قرب الأعياد والمناسبات السعيدة، لتزيد آلام الناس وأحزانهم فالرحمة منزوعة عنهم، خاصة والناس وهم في انتظار العيد يتقربون من بعضهم بعضا ويلتحمون في مودة وحب.
وقوى الشر تخطط لأن تحول أفراح المسلمين إلى أتراح بأفعالهم الإجرامية، حيث ظلت الأحداث المؤسفة تتكرر دوما مع اقتراب الأعياد وظلت الأسر تخاف من تجمعات الأعياد بعد أن كانت هذه التجمعات هي قوة الفرح والتلاقي للسلام والمحبة. وفي فلسطين المحتلة، يتطلع الرجال والنساء، الذين لم يعرفوا طعم العيد لسنوات طوال، بصبر وبطولة رائعة وجهاد مقدس إلى اليوم الذي تنتهي فيه محنتهم وتعود لهم ديارهم وعزتهم وكرامتهم. لقد مرت أعوام كثيرة على الشعب الفلسطيني لم يشعر فيها بطعم العيد، ولا فرحة التهاني، ولا عناق الأهل لكنهم لم ييأسوا، ولم يستسلموا، وسيظلون يقاومون إلى أن تعود إليهم حقوقهم الشرعية المسلوبة. وفي اليمن، وأفغانستان، والشيشان، وكشمير، وجنوب الفلبين وغيرها من أماكن تسيل الدماء الإسلامية الطاهرة دون أن يعرف أحد متى ستتوقف ومتى سيندمل الجرح بينما المؤسسات الإسلامية، والأفراد المسلمون في العالم الغربي يتعرضون للاضطهاد، والمطاردة، والمصادرة ونحن في غفلة من هذا.
ونحن في هذه الأيام المباركة، نرفع الأكف بالدعاء لله العلي القدير أن يزيح عن كاهل الأمة ويلات هذه الأيام السوداء الكالحة حتى تعود خير أمة أخرجت للناس إلى سواء السبيل والاحتفال بالعيد في محبة ووئام.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment