Skip to content Skip to footer

ضرورة وقف لعبة التلاوم

ذكر تقرير صحفي على صفحة كاملة نشرته إحدى الصحف المحلية العربية مؤخرا أن المنظمات الإرهابية تقوم بتجنيد الشباب الصغار من خلال الوعود بأنهم سيصلون إلى مراتب عالية فيها، وأنهم سيدخلون الجنة للاستمتاع بنعيمها الأبدي والزواج بالحوريات الفاتنات.
وقال بعض الذين حاورتهم الصحيفة إن المسؤول الأول عن غزو عقول الشباب هي وسائل التواصل الاجتماعي التي ظلت تروج للفكر الضال.
وقال آخرون إن الشروط الصعبة للقبول في جامعاتنا دفعت عددا من الشباب للحصول على التعليم العالي في دول أخرى حيث أصبحوا فريسة سهلة للاصطياد من قبل معتنقي الفكر الضال خاصة وهم بعيدون عن ديارهم وأهلهم.
وكنت، ولا أزال، مندهشا من إلقاء اللوم على ما نحن فيه على عوامل خارجية مع أنها ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بانتشار التطرف.
ولنتحدث بكل صراحة وشفافية هنا فالمسؤول الأول عن انحراف الشباب في رأيي هو التربية الأسرية فالآباء والأمهات لا يراقبون أطفالهم عن كثب ولا يلحظون التغيرات في سلوكهم مع أنهم لو انتبهوا قليلا لأدركوا منذ وقت مبكر أن أطفالهم يدخلون في مكامن الخطر.
والتفكك الأسري مع غياب القدوة التي يمكن للصغار الاقتداء بها في السلوك المثالي هي أيضا من العوامل المساعدة على انحراف الشباب وتوجههم نحو المنظمات الإرهابية، بالإضافة إلى هذا فهناك المشايخ الأدعياء الذين ينفثون سمومهم وسط المجتمع، ويروجون لأعمال العنف ضد الطوائف الدينية الأخرى.
وقد سمعت بأذني في عدد من المناسبات من منابر المساجد بعض الشيوخ وهم يروجون لكراهية الآخر واعتبارهم كفارا فقط لأنهم لا ينتمون لطائفتهم. وهذا لعمري عمل لا يليق بأشخاص تصدوا لمهام الدعوة ونشر الوسطية.
وبالطبع فهناك المدرسون الذين يملؤون عقول الصغار بترهات وتفاهات تجعلهم إرهابيين صغارا. وهؤلاء المدرسون ينشرون فكرهم الضال في الفصول الدراسية بلا رقيب أو حسيب مما يهيئ الأطفال الصغار لقبول الأفكار المنحرفة ويوفر لهم الأرضية الصالحة للانحراف المبكر.
وقد شكا لي أحد الآباء يوما بأن أستاذ الفيزياء قال أمام الفصل الذي كان ابنه يدرس فيه بأن الذين يستمعون إلى الموسيقى ستخرم آذانهم بأسياخ الحديد يوم القيامة.
وقال الأب إنه قد أخرج ابنه من تلك المدرسة وأرسله إلى المملكة المتحدة ليدرس هناك.
لكن هل يستطيع كل الآباء عمل ذلك؟ والإجابة قطعا لا فليس كل الأسر ميسورة الحال.
ولا يساورني أدنى شك بأن هناك «خلايا نائمة» من المدرسين المتطرفين ما زالت تقبع في مدارسنا وأن عدد هذه الخلايا قد زاد مع مرور الأيام والسنوات.
وليس سرا أن الحكومة تعمل جاهدة على إبعاد هذه النوعية من المدرسين من النظام التعليمي، لكنها ستحتاج إلى وقت غير قليل لمعالجة الأضرار الكثيرة التي أحدثوها بالفعل والتي أثرت على جيل بأكمله.
وبكل الألم والحزن، شاهدت جدة، مدينتي الساحرة المحبوبة وهي تتحول من مدينة حالمة وهادئة ومتسامحة إلى بيئة صعبة حيث تقوم فرق من الرجال المسؤولين وغير المسؤولين بالتجول في الطرقات، والأسواق، والحدائق العامة وهم يطالبون النساء بتغطية وجوههن ويسألون الرجال إذا كانوا قد صلوا أم لا.
ويقوم هؤلاء الرجال بتفريق الأسر عن بعضها بعضا بدعوى حرمة الاختلاط ويصفون أي تعامل عادي بين الرجال والنساء بأنه سلوك شائن وغير أخلاقي. من المسؤول عن كل هذا؟
إنه نحن ولا أحد غيرنا لأننا صمتنا وقبلنا هذه الممارسات غير الحضارية وتقاعسنا عن توفير البرامج الثقافية التي تعين أبناءنا على الاستمتاع بمباهج الحياة البريئة وفي نفس الوقت التمسك بتعاليم دينهم وتقاليد مجتمعهم السمحة وبالتالي فإننا قد حرمنا هؤلاء الأبناء من الترفيه الصحي.
وماذا كانت النتيجة؟ إنها تفجير المساجد وقتل الأبرياء واستمرار دعاة الكراهية في دفع الشباب لارتكاب جرائم القتل بدم بارد، وآخر تلك الجرائم ما شهدته مدينة نجران بعد مغرب الاثنين عندما فجر انتحاري نفسه بأحد مساجدها.
إن على الآباء الاهتمام بأبنائهم ورعايتهم ومراقبة سلوكهم وملاحظة أي تصرفات غير مقبولة وإرشادهم إلى الطريق القويم قبل أن يسبق السيف العذل.
وقبل هذا كله، على الآباء التواصل مع أبنائهم وفتح صدورهم لهم وإغراقهم بالعطف والحنان والمودة الصادقة. وعليهم أيضا أن يعملوا مع سكان الأحياء الآخرين عن توفير الأنشطة الثقافية، والاجتماعية والرياضية لهم حتى لا يتركوا لقمة سائغة للفراغ القاتل الذي هو بيئة صالحة للسلوكيات غير السوية.
وعلى الإعلام أيضا أن يتناول قضايا الشباب بالتركيز والاهتمام والتفاعل معهم، والاستماع لهم فهم عدة المستقبل وعتاده.
وقبل هذا وذاك يجب أن يكون مبدأ التسامح وقبول الآخر هو السائد في حياتنا وأن نكف عن لوم الآخرين والعوامل الخارجية عما يحدث لنا فقد بلغ السيل الزبى وكفى.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment