صادق خان، ابن سائق الحافلة الباكستاني الذي هاجر إلى بريطانيا منذ وقت طويل، وأمه تعمل في حياكة الملابس، فاز بعمودية لندن وهو منصب سياسي مرموق يتم عن طريق الانتخابات التكميلية المباشرة.
هذا الرجل القادم من بيئة فقيرة وابن العامل البسيط تفوق على البليونير زاك جولد سميث المدعوم من حزب المحافظين وعلى رأسه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وأساطين حكومته.
وواجه خان حملة انتخابية شرسة ومسمومة لإسقاطه وحرمانه من الفوز بالمنصب الرفيع لكنه تحدى الصعاب وفاز بأغلبية مريحة.
لكن هذه الحملة، رغم قساوتها، لم تعب في أصله المتواضع ولم تحتقره كونه ابنا لمهاجرين من باكستان وليس مواطنا بريطانيا أصيلا لكنها ركزت على كونه مسلما، وكأن الإسلام تهمة، وركزت أيضا على أنه قد يكون متطرفا، وهي التهمة التي تطال المسلمين في أوروبا والغرب عموما.
وصادق خان، البالغ من العمر 45 عاما، متزوج وله ابنتان وهو عضو في حزب العمال البريطاني ومحام في مجال حقوق الإنسان وعندما سئل من أنت؟ أجاب أنا مواطن بريطاني، وأوروبي ومسلم بالعقيدة.
ومنافسه، زاك جولد سميث، هو بريطاني يهودي وهو ابن جون جولد سميث البليونير الشهير وهو عضو في حزب المحافظين وقد دعمه الحزب كما دعمته الحكومة وكبار رجالات الحزب في حملته الانتخابية التي خسرها لصالح منافس مسلم وبسيط وينحدر من عائلة فقيرة.
وكان جون جولد سميث، والد زاك، هو الذي ساند مارجريت تاتشر، بكل الأساليب القذرة والممجوجة إلى أن أصبحت رئيسة للوزراء في بريطانيا.
وقد فعل ابنه نفس الشيء في حملته الانتخابية بعمودية لندن وقد كتب تعليقات صحفية هاجم فيها خصمه صادق خان وأعاد نشر صور تفجيرات لندن عام 2007 على اعتبار أنها عمل إرهابي إسلامي ولم يتورع عن وصف خصمه بأنه مسلم متطرف.
وساعدت مؤسسة الحكومة البريطانية زاك جولد سميث في تهجماته على خصمه المسلم وعلى المسلمين جميعا وكان على رأس داعميه رئيس الوزراء السابق توني بلير، مجرم الحرب على العراق عام 2003 التي أخرجت هذا البلد العربي الكبير من مسار التاريخ وما زال المجرم يجوب العالم العربي حيث يتم استقباله استقبال الفاتحين.
ويجوب بلير الدول العربية للتكسب المادي من المحاضرات التي يلقيها في المنتديات الاقتصادية بما يضمن له دخلا محترما نغدقه عليه باختيارنا ومحض إرادتنا.
ولجأ مناصرو زاك جولد سميث إلى شق أصوات البريطانيين من أصول آسيوية حيث حاولوا دق الأسافين بين السيخ والهندوس وكلاهما مهاجر من بلد واحد وهي الهند.
كما سعوا إلى وضع اليهود في مقابل المسلمين في محاولة لكسب أصوات اللندنيين الذين أفشلوا مساعيهم واصطفوا خلف مرشح بسيط وعدهم بأن يكون عمدة لكل سكان مدينة لندن الكبرى بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو السياسية.
ويمتلك صادق خان رؤية واضحة لما سيقدمه لسكان لندن من خدمات بلدية وتجارية ومساكن خاصة للفقراء وذوي الدخل المحدود وهذه هي الأشياء التي يبحث عنها الناخبون لهذا صوتوا له للوصول إلى هذا المنصب المرموق الذي قد يعادل منصب رئيس الجمهورية في بعض البلدان بالنظر إلى كثافة سكان العاصمة البريطانية وسلطات العمدة.
لقد اختار الناخبون مرشحهم المفضل وأصبح صادق خان أول مسلم ينصب عمدة لمدينة لندن بكل ثقلها السياسي والاقتصادي وهذه هي إحدى محاسن الديمقراطية وحكم القانون.
وتقبل زاك جولد سميث الهزيمة راضيا أو مكرها لا فرق وعاد دعاة الكراهية والحقد ومعاداة الإسلام إلى جحورهم وانفض المولد وتسلم صادق خان، المواطن البريطاني المسلم، مقاليد العمودية في عاصمة الضباب.
ولم يسأل أي أحد، حتى الخصوم، صادق خان من أين جاء وما هو أصله وفصله وهل هو مواطن أصيل يحمل اسمه لقب القبيلة أم هو طرش بحر ألقته المراكب على الشواطئ البريطانية؟
ولم يسأله أحد هو مسلم سني أم شيعي، هل هو مالكي أم حنبلي، أم شافعي أم حنفي؟
ونحن من خلال هذه الأسئلة الغبية والتمسك بقشور الدين وليس لبه أصبحنا نحن المسلمين متهمين من الغرب بأننا نتجه نحو التطرف والغلو.
وسأل بعض الطلاب الخليجيين المبتعثين في بريطانيا أحد أساتذتهم إن كان صادق خان مسلما سنيا أم شيعيا، بعد أن لاحظوا أنه لا يرتدي ربطة عنق، فاستشاط الأستاذ غضبا وقال لهم إن أفكاركم بالية وعقولكم مهترئة وستظلون دائما متخلفين إذا لم تتخلوا عن هذه العقلية المقززة والتفكير الرديء.
ويبدو أن الشاغل الوحيد للشعوب العربية هو الحصول على إجابة للسؤال إن عمدة لندن الجديد مسلم سني أو شيعي؟
ومثل هذه الأسئلة هي سبب تخلفنا.
وعلى أية حال فقد استلم ابن سائق الحافلة الفقير المهاجر واحدا من أرفع المناصب في بريطانيا وسيستمر فيه لمدة أربع سنوات إلى حين إجراء انتخابات جديدة.