اليوم، الجمعة الخامس من رمضان، الموافق العاشر من يونيو 2016، سيوارى البطل الأسطورة محمد علي كلاي الثرى في مسقط رأسه في مدينة لويسفيل بولاية كنتاكي الأمريكية.
ولم يكن في خيال الفتى اليافع الذي كان اسمه كاسيوس كلاي أنه سيصبح في يوم من الأيام بطلا أسطوريا وسفيرا للنوايا الحسنة وجسرا عالميا بين الثقافات والفئات الاجتماعية المختلفة ونصيرا للغلابة والمسحوقين.
وعلى المستوى الدولي، كان محمد علي نسيجا لوحده فهو قد كان أمريكيا بالجنسية لكنه كان منتميا لكل الناس الذين كانوا يحلمون بتحسين نوعية حياتهم من خلال الحرية والانعتاق.
كان محمد علي رجل مبادئ وعزم وتصميم واجه لوحده منفردا هجوم الحكومة الأمريكية عليه عندما رفض أن يحارب في فيتنام ووقف عملاقا يدافع عن حركة الحقوق المدنية وتحرير بني جلدته من الأمريكيين الأفارقة ضد التفرقة العنصرية البغيضة وقال إنه لن يشارك في حرب قذرة ويقتل ناسا لم يسيئوا إليه ولم يعرفهم.
وكانت نتيجة مواقف محمد علي ضد الحرب في فيتنام الذريعة التي اتكأت عليها الحكومة الأمريكية لتجريده من ألقابه وسجنه.
وكان لي الشرف بأن التقيت بالبطل الأسطورة مرتين خلال زياراته للمملكة العربية السعودية كنت وقتذاك رئيسا لتحرير صحيفة عرب نيوز الإنجليزية عندما دخل علينا محمد علي في صالة التحرير وبدأ بمصافحة المحررين واحدا واحدا وكان يسأل أسئلة ذكية ولماحة تنم عن معرفة عميقة بالأدب والفلسفة والشعر والتاريخ.
وقد تأثرت كثيرا بتواضعه الجم وروحه المرحة وبساطته فهو لم يشعرنا بأنه البطل العالمي المشهور بل أشعرنا بأنه واحد منا خاصة وهو يصافح العمال والمراسلين الذين يقدمون لنا الشاي والقهوة ويتباسط معهم.
لقد جلست خلال حياتي المهنية مع العديد من كبار المسؤولين والمشاهير لكنني لم أشاهد أبدا مثل بساطة محمد علي وتواضعه وأدبه.
وصادفت زيارة محمد علي لنا زيارة أخرى قام بها بطل مرموق فاز ببطولة العالم للإسكواش 12 مرة وهو البطل الباكستاني جهانجير خان.
وعندما نزلنا إلى استقبال الجريدة، قام جهانجير خان بمداعبة محمد علي عندما تظاهر بأنه سيضربه بمضرب الإسكواش الذي كان يحمله فتظاهر محمد علي بدوره فكأن تلك اللحظة كانت مباراة حقيقية في الملاكمة فظل يحوم كالفراشة ويوجه لكماته الخفيفة للرياضي الباكستاني وكانت هذه من اللحظات الجميلة الخالدة في ذاكرة العاملين في عرب نيوز.
وزارني محمد علي في منزلي وجلس مع أفراد عائلتي وأقربائي وأصدقائي الذين تركوا كل ما وراءهم وجاؤوا لمشاهدة محمد علي على الطبيعة وكأنه فرد منهم رغم شهرته الطاغية واسمه الكبير.
وحكى محمد علي لهم كثيرا عن حياته وتاريخه ونضاله والمصاعب التي قابلته وكان يتحدث عن كل تلك المشاكل وهو يبتسم ويضحك وقال إنه لم يشعر أبدا بالمرارة على السنوات التي سرقت من عمره بالسجن والتجريد من الألقاب التي ناضل كثيرا لاستردادها.
ورغم الظلم الذي تعرض له محمد علي إلاّ أنه لم يحقد على النظام القضائي الأمريكي بل أشاد به ووصفه بأنه نظام عادل وقال إنه لم يفقد ثقته أبدا في النظام القضائي الأمريكي رغم ما به من ثغرات وعوار.
وقد حفزتني كلماته المنمقة وأسلوبه الجميل على أن أقول له إنه كان يمكن أن يكون أديبا كبيرا فرد علي مازحا إنه قد يفعل ذلك في يوم من الأيام.
وقد أكد لي محمد على قناعتي الشخصية إذ كنت دائما، ولا أزال، أؤمن بأن هناك نوعين من الناس الذين يعيشون ويموتون دون أن يتركوا أثرا والذين يثرون حياة الملايين ويؤثرون فيها حتى بعد أن يموتوا.
لقد كان محمد علي، وسيظل، قدوة ومثلا للشباب من كل الأديان والأعراق فهو قد أثرى حياتنا وجلب لنا الفرح والسعادة والفخر.
لقد كان محمد روحا شفيفة لم يفقده مرض الباركنسون أو الشلل الرعاش الذي لازمه حوالي 32 عاما روحه المرحة وحبه للناس.
رحم الله محمد علي فقد كان إنسانا قبل أن يكون بطلا رياضيا.