Skip to content Skip to footer

ميزانية كفاءة الإنفاق والمحاسبة

أذكر أنه ولسنوات عدة، عندما كانت الميزانية العامة للدولة تعلن، كنت تقرأ في صباح اليوم التالي عناوين بارزة تقول: «ميزانية الخير والبركة»، و»ميزانية المستقبل الزاهر»، وغيرهما من عبارات طنانة تمدح في الميزانية وتصورها كأنها معجزة هبطت من السماء.
وبالطبع يعقب إعلان الميزانية تسابق المحللين الاقتصاديين والإعلاميين وغيرهم للظهور عبر شاشات التلفزيون والصحف للإشادة بالميزانية الجديدة وتقريظها ومدح وفوراتها التي ستنقل البلاد إلى مراحل متقدمة من النمو والتطور.
وكانت هذه كليشات ثابتة في كل الصحف في اليوم التالي لإعلان الميزانية.
وفي إحدى المرات نشرت صحيفة محلية صورة لرجل أعمى ومقعد يمسك الصحيفة وهو على كرسيه المتحرك ويشيد بأكبر ميزانية في تاريخ البلاد.
وتغيرت لهجة الإعلام بعد إعلان الميزانية العامة الأخيرة خلال شهر ديسمبر الماضي وأصبحنا نقرأ في الصحف عناوين مغايرة مثل «ميزانية الكفاءة، والإصلاح والمحاسبة».
وقد جاء إعلان هذه الميزانية الواقعية على خلفية الانخفاض المريع في أسعار النفط، وعدم الاستقرار السياسي في عدد من دول الجوار وغيرها من صعوبات مرئية وغير مرئية.
ورغم انخفاض الدخل من البترول ورغم العجز الذي حملته الميزانية إلا أن مستوى الإنفاق العام حافظ على نفس زخمه تقريبا مع التركيز على تنويع مصادر الدخل والعدالة الاجتماعية وكفاءة الإنفاق والتحول الوطني وغيرها من مفردات شكلت معجما جديدا مع بداية العام الجديد.
ولعل من اللافت قراءة هذه العناوين الجديدة فالميزانية أولا وأخيرا للذين لا يعلمون هي خطة تشغيل يجب تنفيذها بكل دقة وبطريقة علمية سليمة.
إننا على أعتاب مرحلة جديدة يكون التركيز فيها على مواجهة التحديات ومجابهة الأخطار المحدقة والمشاكل التي تترصد بنا بسبب عدد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية.
ولم يعد من المقبول في مثل هذه الظروف أن نقعد مكتوفي الأيدي ونتحدث عن «خصوصيتنا» في الوقت الذي نحن فيه جزء لا يتجزأ من نظام عالمي شديد القسوة قبيح الوجه.
ويجب أن تقابل هذه التحديات ليس بالكلام المعسول أو العناوين المثيرة أو تجاهل بعض القضايا الاجتماعية والبقاء تحت تخدير بعض الأعمدة والمقالات التي يدبجها بعض الكتاب البعيدين عن الواقع.
إن لدينا ملكا عادلا وحاسما يعرف ماذا تعني أخلاقيات العمل، كما لدينا ولي عهد يضع يده دائما على نبض الأمة واجه الإرهاب بكل حزم وصلابة ولا يزال ضمانا لأمن البلد وسلامته، كما أن شعار ولي ولي العهد هو «الابتكار والعمل الجاد» مع تصميمه، باعتباره رئيسا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، على تنويع مصادر الدخل فماذا نريد أكثر من ذلك؟
ولا بد هنا من تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص لتحقيق الأهداف الاقتصادية السامية التي حددتها القيادة والتي تهدف إلى تحقيق التحول الوطني والعدالة الاجتماعية وكفاءة الطاقة وتنوع الاقتصاد وتوليد الوظائف وغيرها.
وليس لدينا وقت نضيعه فالعالم من حولنا يتغير بسرعة كبيرة، يجب علينا أن نواكب هذا التغير بنفس الخطى المتسارعة كما يجب على المسؤولين من الوزير وحتى أدنى درجات السلم الوظيفي أن يكونوا القدوة والمثل في الإخلاص والكفاءة والإنتاجية.
إننا، بالقطع، لا نريد الوساطة أو المحسوبية كما لا نريد هدر موارد الدولة وقبل هذا وفوقه نريد لموظفي الخدمة العامة أن يكونوا خداما حقيقيين للشعب. ينطبق هذا على كل مؤسسات الدولة بما فيها المحاكم، وكتابة العدل، ووزارة الصحة، والجوازات وغيرها من إدارات ذات علاقة مباشرة مع المراجعين.
ولا يقتصر الأمر على الحكومة، والوزارات، والإدارات الحكومية المختلفة لكنه يشمل أيضا أفراد جماهير الشعب التي عليها دور كبير تضطلع به. ولا يحتاج إظهار الوطنية القصائد الشعرية، أو المقالات النارية، أو التلويح بالأعلام وترديد الهتافات لكن الوطنية الحقيقية تبرز من خلال الإنتاج، والحفاظ على المال العام وممتلكات الدولة واحترام الأنظمة والقوانين.
إننا لا يمكن أن نبقى غير منظمين إلى الأبد محتمين بظلال ما ندعيه من «خصوصية»، وعليه يجب أن نبدأ عامنا الجديد وميزانيتنا الواقعية الجديدة بالحزم والإصرار على الحصول على أهدافنا الرامية إلى جعل المملكة دولة قائدة ورائدة في كل المجالات من الأخلاق إلى التنمية المستدامة، والتطور، والعلوم والتقنية.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment