قبل أيام، قام الصحفي الأمريكي الشهير توم فريدمان بزيارة إلى المملكة حيث ألقى محاضرة في الرياض كما اجتمع مع الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع والطيران.
وما إن وطئت قدماه أرض المملكة حتى توالت التغريدات المعادية له والتي تتساءل لماذا جاء إلى بلادنا خاصة بعد أن كتب مقالا قبل بضعة أسابيع انتقد فيه المملكة نقدا لاذعا.
وكتب عدد من أصحاب الرأي وكتاب المقالات أعمدة عن هذه الزيارة وتساءل بعضهم عن دوافعها بينما طالب آخرون بمواجهة مكشوفة معه.
وفي أثناء النقاش المجتمعي الذي أثارته زيارة فريدمان للمملكة قال مواطن إنه ضدنا وقال آخر إنه يكرهنا.
وأمام هذا الانزعاج الذي سببته زيارة فريدمان للمملكة لم أتمالك أن ابتسمت وبدأت أفكر كيف أننا حتى الآن لا نعرف التعامل مع الصحفيين والإعلاميين من الغرب والشرق لا سيما وأن الإعلام الشرقي بدأ يلحق بالإعلام الغربي ويتفوق عليه.
وفريدمان، الذي أعرفه منذ نحو 15 عاما هو في حقيقته إنسان بسيط لكنه ذكي، ولماح، ومتحدث لبق ولا تهمه السلطات أو أصحاب الجاه والسطوة مثلما هو الحال بالنسبة للصحفيين والإعلاميين في منطقتنا العربية.
وقد اشتهر فريدمان بعد أن كتب كتابه «من بيروت إلى أورشليم» عام 1989.
وقدم في هذا الكتاب بعض جوانب القضية الفلسطينية للرأي العام الأمريكي الذي يجهل كثيرا من الأحداث التي تقع خارج الولايات المتحدة.
وفي عام 1991 كتب كتابه الذي تصدر قائمة أكثر الكتب مبيعا وهو بعنوان «اللكزس وغصن الزيتون».
وفريدمان مباشر في أسلوبه ويعرف كيف يخاطب مختلف طبقات المجتمع.
وبعد هجمات سبتمبر عام 2001، قام فريدمان بعدة زيارات متلاحقة للمملكة وبعض الدول العربية كتب بعدها كتاب الأكثر مبيعا أيضا وهو «خطوط الطول والعرض».
وفي هذا الكتاب قال عني بالحرف الواحد: إن خالد المعينا كاتب لطيف لكنه مشاكس ومثير للمشاكل ورغم هذا يتحمله النظام السعودي.
لاحظ أنه استخدم عبارة «النظام السعودي» ولم يقل الحكومة أو الدولة.
وسألني بعض الإخوة الذين قرؤوا الكتاب لماذا لم أغضب منه فقلت لهم بكل بساطة إن هذا هو رأيه فيّ ولي أيضا رأيي الخاص فيه.
وبعد ذلك بسنوات، وأثناء المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية أقمنا ندوة أمام حضور كبير بدأ هو الحديث فيها قائلا: «كيف حالكم أنا توم فريدمان ومعي توم فريدمان السعودية وهو خالد المعينا» وقبل أن يكمل تدخل الأمير تركي الفيصل قائلا: «إن خالد المعينا صحفي وكاتب محترم من المملكة العربية السعودية».
هل غضبت أنا مما كتبه أو قاله عني؟ في الحقيقة لا فلم يحدث أي شيء من هذا.
والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن معظمنا لا يعرفون كيف يتعاملون مع الصحفيين الغربيين وهم في حيرة من أمرهم هل يمجدونهم أم يشتمونهم؟والطريقة التي يتحدث بها الناس عن فريدمان هنا توحي بأن أمريكا كلها تعرف هذا الكاتب الذي يستطيع أن يهز أركان الإدارة بكلمة منه.
هذا ليس صحيحا فهناك العشرات من الكتاب والصحفيين الأمريكيين على شاكلته.
وهؤلاء الكتاب يكتبون في الصحف والمجلات ويتحدثون في البرامج التلفزيونية وفي الندوات والمؤتمرات ويحللون الأحداث ويقدمون المحاضرات حول مختلف القضايا والأمور وهم يكتبون ما يلاحظون ولكنهم في الواقع لا يكرهوننا حتى ولو انتقدوا بلادنا، وليس من المستبعد أن يكتب فريدمان مقالا جديدا ينتقد فيه المملكة مرة أخرى.
وبالأسف فلا يزال لدينا بعض المسؤولين في إعلامنا يعيشون بعقول القرون الوسطى حيث درجوا على تصنيف الصحفيين على أساس مواقفهم مننا.
ولهؤلاء أقول: فضلا أقلبوا الصفحة وابدؤوا من جديد.
وكثيرا ما تساءل هؤلاء الكتاب عن الثمن الذي يقبضه فريدمان لكنه كان دائما يقول إنه لا يتلقى أية إكراميات من أي جهة ولقد صدقته.
وإذا كنتم لا تصدقونني فاقرؤوا مقاله الذي كتبه بعد عودته من رحلته الأخيرة للسعودية بعنوان «رسالة من المملكة العربية السعودية» وكان المقال عبارة عن رحلة سفر عن تجربته في بلادنا، وليس تحليلا سياسيا لما لمسه أو رآه.
وفريدمان لم يشد أو ينتقد لكنه فقط عكس الواقع كما رآه ولم يكن يستطيع عمل ذلك لأنه لا يمكن أن يتغير 360 درجة عما كتبه الشهر الماضي لكن أساطين الإعلام عندنا لم يفهموا هذا الموقف.
لهذا دعونا أولا نعدل أفكارنا المسبقة وعقليتنا القديمة عن الصحفيين الغربيين ولا أنكر أن هناك كتابا في الولايات المتحدة يدعمون إسرائيل ويقفون ضد الإسلام والمسلمين لكنهم قلة منعزلة وفريدمان ليس واحدا منهم.
ويكتب معظم الكتاب الأمريكيين عن ملاحظاتهم الشخصية من منطلق مفاهيمهم الخاصة عننا لكننا لا نرضى عن هذا ولا يعجبنا.
ولكي نتخطى مثل هذه الأحكام المسبقة، علينا أن نستوعب تعقيدات وأطروحات الإعلامي الدولي.
وحتى نفعل هذا، سنظل نتحدث عمن هو معنا ومن هو ضدنا.