نشرت الصحف المحلية مؤخرا تحذيرا من المديرية العامة للمرور للسائقين بأن الذين لا يتوقفون للمشاة من ذوي الاحتياجات الخاصة سيتعرضون للسجن أو الغرامة أو العقوبتين معا.
هذا التحذير، على الرغم من وجاهته، جعلني أضحك، لأن السائقين لا يتوقفون لأحد، سليما كان أو معاقا، وذلك لأسباب كثيرة ومتأصلة، منها على سبيل المثال غياب ثقافة القيادة، وانتفاء فلسفة السلامة، وخلو الشوارع عن مناطق مخصصة لعبور المشاة.
ومن بين الشوارع التي ليس بها أماكن لعبور المشاة في جدة طريق الملك، وإذا أردت أن تعبر الطريق من جهة الكورنيش إلى الشرق فعليك أن تنتظر وتنظر جيدا قبل أن تعبر، وإلا فإنك ستكون ضحية سيارة مسرعة.
وقد وصف زائر ألماني عبور هذا الطريق بأنه مثل المشي على حقل ألغام. ويبدو أن العبقري الذي صمم هذا الطريق لم تكن له أدنى فكرة عن حجم الفوضى، والألم، والإحباط التي سيتسبب فيها هذا الشارع الطويل.
والمخارج التي تكون على أحد المسارات تصبح فجأة مخارج للمسارات الثلاثة الأخرى، حيث يحاول كل واحد استخدام هذا المخرج في وقت واحد، مما يسبب ازدحاما وضيقا للناس.
ويزيد عدم الصبر المتوفر عندنا بكثرة وندرة الأخلاق السمحة والمتسامحة الكثير من الإرباك والغضب والمشاحنات، فتبدأ الشتائم التي تعقبها الاشتباكات بالأيدي، مع أن القيادة فن وأدب وذوق.
والشيء الآخر الذي يسبب ضيقا شديدا لسكان مدينة جدة هو إغلاق الكثير من الشوارع الجانبية. فإذا كنت في عجلة من أمرك في الذهاب إلى المطار فكن مستعدا للتأخير، لأنك ستجد شرطيا عند المخرج يمنعك من الخروج ويشير عليك بالاستمرار وأنت لن تستطيع أن تجادله، لأنك حتما ستحصل على مخالفة مرورية، إلى جانب التأخير والعطلة.
إن ثقافة المرور لا وجود لها هنا، ليس بسبب تعدد الجنسيات المقيمة في بلادنا – وهذا هو نفس حال الدول المجاورة – لكن لأن الأنظمة والقوانين المرورية عندنا ليست واضحة، وليست مفعلة، ولا تعدو عن كونها حبرا على ورق.
أضف إلى ذلك جهل بعض الناس وصفاقتهم، فهم يعتقدون أن الطرقات ملكيتهم الخاصة، وهم بذلك لا يحترمون الطريق ولا مستخدميه طبعا، هذا بالإضافة إلى عدم احترامهم للقوانين وافترائهم على مخلوقات الله.
عليه، فإن تحذيرات المرور لن تجدي نفعا ما لم يكن هناك احترام للقوانين وللناس الآخرين.
ولعل في هذه القصة القصيرة التي سأرويها عبرة لمن يعتبر، فقد كنت في مدينة دبي الأسبوع الماضي، وكنت خارجا من أحد الفنادق حوالي الساعة الحادية عشرة مساء حيث شاهدت رجلا يبحث عن موقف أمام الفندق.
ظل الرجل يذهب ويجيء بينما كانت ثلاثة مواقف شاغرة أمامه مكتوب عليها «مواقف خاصة للمعاقين».
اقتربت منه وقلت له «هذه المواقف شاغرة والوقت متأخر، فلماذا لا تستفيد منها؟»، فقال لي بكل سماحة وأدب إن هذا ضد القانون.
والغريب في الأمر أنني اكتشفت بعد ذلك أن الرجل كان أحد كبار المسؤولين في الدولة!
ولا أشك مطلقا أن مدير المرور في جدة يريد مدينة خالية من الحوادث المرورية، وهو مخلص في جهوده لتحسين حركة المرور في هذه المدينة المزدحمة ذات المشروعات التنموية الكثيرة التي تتسبب في غلق عدد من الطرقات وتحويل المسارات إلى جهات أخرى، وعليه الكثير الذي يجب أن يعمله، وعلينا أن نكون له خير عون في أداء مهمته الصعبة.
وأتمنى أن يكون للمرور برنامج للسلامة يستمر طوال العام، ولا يقتصر على أسابيع معينة في السنة. كما أتمنى أن يعمل المرور بصدق على زيادة كفاءة شرطة المرور وتأهيلهم لأداء عملهم بأريحية والتعامل الراقي مع الناس وتدريبهم على المهارات السلوكية مع السائقين ومستخدمي الطرق.
وأعتقد أن الأمهات يمكن أن يلعبن دورا كبيرا في تحسين المرور من خلال زيادة الوعي المروري عند أبنائهن وسائقيهن.
إننا جميعا ننشد السلامة على الطرقات، خاصة في ضوء ازدياد الحوادث المميتة أو المعيقة.