أخيرا انتبهت السلطات المعنية إلى قضية موت مدرساتنا العزيزات في الحوادث المرورية القاتلة على الطرقات السريعة، وهي الحوادث التي أدمت القلوب ويتمت الأطفال ورملت الأزواج وفككت الأسر.
وهؤلاء المدرسات يقطعن المسافات الطويلة يوميا إلى مدارسهن في المناطق الريفية النائية لأداء واجبهن المقدس نحو تعليم النشء ونشر العلم والمعرفة.
وحين لاحظت السلطات المختصة في وقت متأخر جدا أن دماء عزيزة وطاهرة قد أهرقت على الطرقات لتوصيل رسالة العلم، كونت لجنة من خمس إدارات حكومية لدراسة الموضوع والتقدم بتوصيات محددة من شأنها أن تنهي سلسال الدماء على الطرقات وتضع حدا لمعاناة المعلمات اليومية في التنقل إلى ومن المدارس النائية.
وبحسب قرار تكوينها، فإن اللجنة المذكورة ستقدم توصياتها إلى مدير شرطة مكة المكرمة.
وهذه، بالطبع، منطقة واحدة من مناطق المملكة الشاسعة والمترامية الأطراف، حيث نقرأ ونسمع يوميا عن حوادث مؤلمة يروح ضحيتها عدد مقدر من مشاعل العلم والمعرفة. فلماذا يقتصر الأمر على منطقة واحدة دون المناطق الأخرى وقد كانت تبوك، على سبيل المثال، مؤخرا مسرحا لحادث مؤلم توفيت خلاله أربع مدرسات وأصيبت أخريات.
والسؤال المشروع هنا: كم حادث مؤلم ننتظر أن يقع في تبوك أو غيرها من المناطق لنتحرك ونشكل لجنة لدراسة الموضوع والتقدم بتوصيات بشأنه؟
وعندما يتحدث الناس عن أسباب الحوادث فهم يلقون باللوم عادة على المخالفات المرورية التي يرتكبها السائقون والتي تؤدي إلى هذه المآسي وعن جنسيات هؤلاء السائقين وأعمارهم، متناسين أسبابا أخرى قد تكون مهمة وأساسية.
ومن الملاحظ أن عددا من هؤلاء السائقين من كبار السن والمتقاعدين الذين يبحثون عن مصادر أخرى لدخل إضافي، ولكن هذا لا يستثني وجود بعض السائقين من صغار السن أيضا.
وإن كان السائقون كبارا أو صغارا فلا أحد قام بفحص أنظارهم ليتأكد من قوة إبصارهم أو قام باختبار مهاراتهم القيادية ولا التأكد من مدى التزامهم بالقوانين والقواعد المرورية.
كما أن كثيرا من السيارات التي تنقل المعلمات قديمة ومهترئة لا تصلح للسير إلى مسافات قصيرة ناهيك عن المسافات الطويلة التي تضطر المعلمات إلى قطعها جيئة وذهابا.
ويتجاهل كثير من السائقين وضع حزام الأمان مما يعني مخالفتهم لأنظمة المرور كما تجد أن إطارات السيارات التي يقودونها قديمة ومتآكلة وأن المكابح لا تعمل بكفاءة وأن السيارة نفسها بحاجة إلى الصيانة إن لم تكن بحاجة للتغيير الكامل.
أضف إلى هذا حالة الطرقات نفسها فهي وعرة وصعبة وقد تكون جبلية أو صحراوية.
وحقيقة لا أدري ماذا ستفعل هذه اللجان إزاء كل هذه المسائل وكيف ستتعاون لحلها والاتفاق على توصيات محددة للحد من الحوادث المرورية التي أزهقت أرواح المعلمات. وتتعذب أسر هؤلاء المعلمات في صمت ويتعذب أفراد المجتمع وهم يقرؤون أو يسمعون يوميا عن هذه الحوادث القاتلة لدرجة أننا ألفناها وأصبحنا محصنين ضد فجائيتها.
ولا اعتراض لنا عن تكوين اللجان لدراسة الحوادث خاصة ونحن قوم مشهورون بتشكيل اللجان، واللجان الفرعية، واللجان المنبثقة وغيرها، لكن تكوين هذه اللجان تجاهل عنصرا مهما وهو المعلمات أنفسهن فمن الواجب ضمهن لهذه اللجان ومعرفة رأيهن فهن الضحايا ولا أحد غيرهن.
وأود أن أقترح على هذه اللجان الاستعانة بالخبرة الأجنبية لمعالجة المشكلة ولا عيب في ذلك خاصة من الدول ذات الباع الطويل في مثل هذه الأمور والتي يمكن أن تفيدنا في رفع مستويات السلامة المرورية.
وعلينا أيضا أن ننظم حملة توعية واسعة من خلال الصحف ووسائل الإعلام عن السلامة المرورية خاصة على الطرقات السريعة فحياة الإنسان لا تقدر بثمن.
ووزارة التعليم، بميزانيتها الفخمة، قادرة على استقدام الخبراء العالميين من الخارج والذين يمكنهم أن يشيروا علينا بأفضل أنواع وسائل المواصلات لنقل المعلمات والطالبات.
وبالإضافة إلى كل هذا، فيجب توعية رجال المرور حتى يكونوا قادرين على تنفيذ توصية اللجان وبالتالي الحد من إراقة دماء المعلمات على الطرقات.
إن موت المدرسات على الطرقات بسبب الحوادث المرورية مأساة تدمي القلوب وتفجع الأسر وتبكي المجتمع بأسره وإن كان الموت قدرا محتوما، ولكل أجل كتاب، إلا أن الموت بإهمال وبشكل مستمر يجب أن يكون محل بحث ومعالجة.
وأخيرا فليس لدينا وقت لنضيعه فالأمر لم يعد يحتمل، كما أننا لا نريد أبدا أن نرى دماء المعلمات والطالبات تهدر بلا ذنب على الطرقات.