في اجتماع عقده أخيراً المسؤولون عن الشؤون البلدية في دول مجلس التعاون الخليجي، أعرب هؤلاء المسؤولون عن القلق بشأن النمو السكاني المتسارع في بلدانهم وطالبوا بالتعاون من أجل تحسين حياة شعوبهم
وبينما تعتبر الزيادة السكانية أحد عناصر القوة والاعتزاز الوطني، فإن الطفرة السكانية الأخيرة في دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر مصدراً للقلق والانزعاج. وحدث إثر ذلك تغير في نمط التفكير حيث أصبح من الواضح أن النمو المتسارع للمدن والزيادة الكبيرة في عدد السكان قد واكبهما قصور في توفير الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي، المياه، الكهرباء وغيرها مما أدى إلى خلق مشكلات بيئة.
هذا القصور زاد من الفشل الموجود أساساً في كثير من الخدمات خاصةً وأن عدد السكان في الدول الخليجية قد زاد تقريبا بنحو ثلاثة أضعاف. وهذه الزيادة غير المتوقعة أثرت بدورها سلباً على مسيرة التنمية المتوازنة والمستدامة. كما أثرت هذه الزيادة غير المخطط لها أيضاً على الاقتصاد وأغلقت الباب أمام الرفاهية طويلة المدى. ومعلوم بالضرورة أنه كلما زاد عدد السكان زادت الحاجة إلى الخدمات الضرورية مثل البنية الأساسية والنقل العام وغيرها. ومن أجل مقابلة التحديات لتوفير خدمات أفضل للمواطنين، فيجب أن نحرص على أن يكون نمونا السكاني متوازناً.
ومن غير المفهوم أنه إذا تجرأ أي إنسان بالحديث عن ضرورة لجم الزيادة السكانية في السعودية فإنه سيتعرض إلى سيلٍ من الاتهامات والانتقادات التي قد تصل إلى حد العنف الشفهي. ولكن بعملية حسابية بسيطة سنتأكد من ضرر الانفجار السكاني. فمثلاَ العائلة المكونة من أربعة أو خمسة أعضاء ستكون حياتها بالتأكيد أفضل من العائلة التي بها تسعة أو عشرة أعضاء. وكمسلمين نؤمن إيماناً قاطعاً بأن الأرزاق من الله فهو الرازق الرحيم لكن الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا طلب منا أن نفكر بالعقل والمنطق وأن نأخذ بالأسباب ثم نتوكل عليه، فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، كما أن الرزق لا يأتي لشخص قابع في بيته دون أن يلتمس أسباب الرزق. لهذا فإن الله قد وهبنا العقل لنفكر وأعطانا البصيرة لكي نتبصر.
وقد رأيت في المحال التجارية والمطارات والأماكن العامة نساء مجهدات ذات وجوهٍ كالحة وهن لا يتجاوزن الثلاثين من العمر بسبب كثرة الإنجاب. وقد رأيت بعضهن وهن يسحبن وراءهن سبعة أو ثمانية أطفال يصرخون ويبكون وهن يحاولن إسكاتهم وتطييب خواطرهم إلى حد أن يفقدن أعصابهن ويقمن بضربهم. وفي الأسبوع الماضي وحده رأيت أباً يلوي ذراع ابنه ذي السبعة أعوام لإسكاته بينما إخوته الثلاثة الآخرون يكادون يموتون من الرعب. وعلينا، والحال هكذا، أن نسأل أنفسنا: هل نحتاج إلى أطفال كثيرين فقط لنتباهى بأعدادهم؟ هل نملك القدرة الذهنية والعضلية والإمكانات المادية لتنشئتهم؟ هل لدينا الوقت الكافي للعناية بكل واحد منهم؟ هل نحن قادرون على تلبية احتياجاتهم العاطفية ناهيك عن المادية؟ ومع ازدياد عدد الأطفال المعاقين نتيجة لزواج الأقارب وغير ذلك من الأسباب فهل خدماتنا الصحية والتعليمية المتاحة قادرة على توفير الخدمات الأساسية التي يحتاجون؟
مع الأسف الشديد فإن الإجابات على كثير من الأسئلة السابقة هي: لا. هذا لا يعني أننا لا نحاول قدر الاستطاعة لتوفير العناية اللائقة بهم خاصةً وأن الخالق سبحانه وتعالى قد أغدق علينا كثيراً من النعم والموارد التي لا تعني شيئاً إذا لم نقم بإدارة حياتنا المهنية والخاصة بشكلٍ سليم.
وفي بلدٍ تشح فيه الموارد المائية يجب أن تكون أولوياتنا هي الحفاظ على الموارد القليلة والتوازن في عدد السكان حتى نستطيع أن نؤمن هذا السائل الحيوي للأجيال القادمة.
والمنطق الذي يقول إنه كلما زاد عدد السكان زادت قوة الدولة هو منطق معوج، فعلى سبيل المثال، فإن دولاً ليست لها موارد طبيعية مثل سنغافورة، وهونج كونج وسويسرا تفوقنا قوة اقتصادية. وفي الحقيقة فإن القول بأن هذه الدول ليست لها موارد طبيعية هو ادعاء غير صحيح إذ إنها تملك موارد كبيرة تتمثل في العنصر البشري من ذوي العقول النيرة والتفكير السليم. وسكان هذه الدول، على قلة مواردهم، هم سكان منتجون بينما مجتمعاتنا تتكون في أغلبها الأعم من مستهلكين. وهؤلاء السكان مهذبون في سلوكهم ويحترمون القانون ويحبون بلادهم ويقفون في صبرٍ وأناة بالساعات الطويلة في الصفوف دون أن يخترقوها أو يتجاوزوا الذين أمامهم. وهم يفعلون هذا لأنهم بطبعهم منظمون ومنضبطون.
ولما كانت أغلبية عدد سكان المملكة من الشباب، وكثيرون منهم قادمون في الطريق فعلينا أن نتوقف ونفكر: هل نحن نعطي أهمية للكم أم الكيف؟ هل نحتاج للملايين التي بالكاد قادرة على فك الخط -كما يقول إخواننا المصريون- أم نريد وطناً من النوابغ مثل الأطباء والعلماء، والمهندسين، والمحامين، والباحثين؟
هل نحتاج إلى عائلات كبيرة يشقى فيها الأب وتشقى فيها الأم لتوفير الحياة الكريمة لهم أم نريد عائلات صحية تستطيع أن تسهم في بناء الدولة وتحقيق رفاهيتها وتقدمها؟ والتاريخ يخبرنا بأن الأرقام الكبيرة لا تعني الشيء الكثير.