هل لعبت المؤسسات الصحفية دورا في تطوير الإعلام في المملكة؟ فاجأني بهذا السؤال قبل أسبوع صحفي أمريكي، وظللت أفكر فيه لعدة أيام، وسألت عنه عددا من الأصدقاء في المهنة فجاءت إجاباتهم بالإجماع بـ «لا».
وللأسف فقد اتفقت معهم نتيجة لملاحظاتي اللصيقة لأداء الأجهزة الإعلامية لعدة سنوات.
وبدلا من أن تركز هذه الأجهزة على الإعلام، وترقية الأساليب التحريرية، وجذب وتدريب العناصر الشابة، انغمست في صراعات بمجالس الإدارات، ودخلت في خلافات بين الإدارة ورؤساء التحرير، وتخلت تماما عن المهنية والاحترافية.
لقد فشلنا تماما في مواكبة التطور في مجال الإعلام، حيث تحرص المؤسسات الصحفية العالمية على اقتناء أحدث التقنيات الإعلامية والتطبيقات الالكترونية وغيرها من العناصر الإسفيرية.
طبعا من الجميل أن تكون لنا طبعات الكترونية إلى جانب الصحافة الورقية، لكن لا يعني هذا أننا قد تطورنا إعلاميا.
وثانيا، إن كثيرين من المسؤولين عن الأجهزة الإعلامية على مستوى الإدارة أو التحرير إما تم إقصاؤهم أو بقوا في مقاعدهم الوثيرة بعيدا عن الشؤون والهموم الإعلامية.
ومن أجل أن يكون الإنسان إعلاميا عليه أن يكون ضليعا في اللغة التي يستخدمها، وأن يكون شخصا عالمي التفكير والإلمام والثقافة، وأن يكون متنوع المعرفة، وأن تكون له الشجاعة الكافية في البحث عن الدقة، والمصداقية، والحقيقة.
وجميل أيضا أن يكون الإنسان الإعلامي مرتاحا في الرحلات الصحفية والاستقبالات الرسمية، لكن كم صحيفة لدينا حريصة على البحث عن الحقيقة، سواء كانت في الصحافة الاستقصائية أو في تغطية الأحداث الأليمة، وفي تعرية ريش المسؤولين وخدمة مصالح الشعب؟وما يزيد هذه الحالة المؤسفة سوءا هو القبضة الخانقة للإدارة التحريرية على مقاليد الأمور، خاصة أن عددا منهم لا يشجع المواهب.
وأذكر تماما أنني عندما كنت رئيسا لتحرير إحدى الصحف اليومية قمت بتعيين شاب سعودي موهوب في وظيفة كبير المحررين، فقال لي أحد الأصدقاء: لماذا عينته في هذا المنصب؟ ألا تخشى أن يخلفك في الكرسي؟قلت له: بالطبع لا، فأنا قد خلفت من سبقني، وسيأتي خلفي ليعقبني طال الزمن أو قصر، فهذه سنة الحياة وقديما قيل «لو دامت لغيرك ما آلت إليك».
وفي الحياة الواقعية، وفي أي مهنة أو صناعة كانت، خاصة الإعلام، فأنت لن تستمر آمنا في منصبك إذا لم تحرص على استبقاء المواهب وتأهيلهم بالتدريب المستمر والحفاظ عليهم، بدلا من إبعادهم والتخلص منهم وإعداد الصف الثاني من القادة.
ولا أنكر أن في بلادي إعلاميين مرموقين أكفاء ومخلصين، لكن تنقصهم بهرجة الأضواء العالمية.
ولماذا للإعلام كل هذه الأهمية؟إن الإعلام مهم وضروري، لأنه يبرز كل ما يحدث في المجتمع سواء كان سلبا أو إيجابا، وهو يعمل أيضا كجسر للتواصل بين الحاكم والمحكومين.
وعلى الإعلام أن يكون العين التي ترى بها الحكومة شعبها.
وقد قيل في هذا الشأن إن اليقظة الأبدية هي ثمن الحرية.
ولا يمكن لنا أن نغض الطرف عن الحالة الحالية الصعبة لمجتمعنا.
وبالطبع فمن الجميل أن تكون وطنيا، بل موغلا في الوطنية كما تحاول بعض صحفنا أن تبدو عليه، لكن الوطنية ليست شعارات جوفاء أو أبواقا خالية.
ولعل أبلغ وصف لها هو ما قاله الكاتب الإنجليزي صمويل جونسون، الذي قدم إسهامات خالدة للأدب الإنجليزي «إن الوطنية هي الملجأ الأخير للأشرار».
إن على الإعلام أن يلعب دورا اجتماعيا مسؤولا لتعزيز المعرفة، ونشر التمدن، وبناء الجسور بين مختلف قطاعات المجتمع، وزيادة لحمته، وخلق الوعي بأهمية الوحدة الوطنية.
أما الإدارات الصحفية فيمكن أن تستمر في برامجها لرفع مستوى مهنية صحفييها أكثر من التفاخر بأرقام نهاية العام.