احتدمت المناقشات مؤخرا حول إنتاجية الموظف السعودي خاصة في القطاع العام. وقد ازدادت حرارة النقاش في أعقاب تصريحات وزير الخدمة المدنية خالد العرج الذي ادعى أن الموظف السعودي في الحكومة لا يعمل أكثر من ساعة واحدة في اليوم.
وتواترت ردود الأفعال بعد هذه التصريحات وامتلأ الفضاء الإسفيري بالتغريدات الغاضبة من الموظفين السعوديين الذين لم تعجبهم تصريحات الوزير.
وأنا لا أعرف من أين أتى معاليه بهذا الرقم طالما لا توجد لدينا مؤشرات دقيقة لتحديد عدد الساعات التي يعملها الموظف السعودي الحكومي، كما لم يتم عندنا إجراء استفتاء أو مسح من قبل في هذا الخصوص.
ووصف آخرون تصريحات الوزير بأنها ضرب من المبالغة لكنهم اعترفوا في الوقت نفسه بأن الإنتاجية متدنية في الإدارات الحكومية.
وقال كثير من المواطنين الذين تحدثت معهم في هذا الأمر بأن كلام الوزير كان سيكون أقرب للحقيقة لو أنه قال إن الموظف السعودي لا يعمل أكثر من ثلاث ساعات!! كان هذا الرقم سيكون أقرب للدقة لأن ساعة واحدة قليلة جدا ولا تكاد تصدق.
لكن دعونا نتحدث بصراحة طالما نحن بصدد قضية قومية كبرى، فإنتاجيتنا متدنية ولا جدال في هذا، ولا يمكن لأي شخص كائنا من كان أن يقول إن أخلاقيات العمل عندنا هي على نفس مستوى أخلاقيات العمل في بعض الدول المتقدمة.
والحقيقة التي لا تقبل النكران هي أن إنتاجيتنا أقل بكثير من مستواها في سنغافورة، وكوريا، واليابان، والصين، وتايوان، وفيتنام، وتايلند وغيرها من الدول.
وعلى المستوى الفردي، هناك موظفون سعوديون منتجون وهم يعملون بجد واجتهاد غير أن الأغلبية ليست كذلك ولا تعمل بنفس المستوى.
وليس من العدل والإنصاف أن نلوم الموظفين وحدهم على سوء الأداء وقلة الإنتاجية، فهؤلاء الموظفون لم يجدوا القدوة والمثل في رؤسائهم كما أن نظام الإدارة عندنا نفسه عقيم ومترد.
ومما لا شك فيه أن كثيرا من المديرين عندنا لا يقدمون النصح أو التوجيه لصغار الموظفين ولا يوفرون لهم الحوافز الضرورية التي تساعدهم على تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية.
وتحتاج الوزارات والإدارات الحكومية إلى أن تدار بطريقة أكثر احترافية ومهنية. ويجب أن يكون لديها أسلوب ملائم للإدارة يضمن الانضباط والكفاءة.
إن كثيرا من الموظفين الحكوميين عندنا يفتقرون إلى الانضباط بسبب غياب الحوافز المادية ومنها الشيكات والأرصدة وبسبب القيادة الضعيفة من قبل الإدارة.
وقبل نحو شهر من الآن ذهبت إلى إحدى الإدارات الحكومية فأبلغوني هناك أن الملف الخاص بمعاملتي عند أحد الموظفين الذي ذهب في إجازة لمدة عشرة أيام، وعليّ الانتظار لحين عودته! وهكذا
تأخرت معاملتي إلى حين العودة الظافرة للموظف المجاز!
وهكذا نجد المراجعين من عامة الناس في رحمة الموظفين الذين إما في إجازة، أو غابوا عن العمل في ذلك اليوم أو حضروا إلى الدوام متأخرين جدا.
وفي بعض الحالات يغيب المدير المسؤول نفسه وتتأخر معاملتك لأنه لا يوجد أحد للتوقيع عليها. كما أنه في أحايين أخرى يختفي الكثير من الموظفين بعد صلاة الظهر مباشرة، ولا يظهر لهم أثر وكأن دوامهم قد انتهى في هذا الوقت، وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو مكابر، ويبدو أن الكسل ميزة متأصلة فينا منذ الصغر، فقد حبا الله بلادنا بثروات طائلة عيشتنا في دعة ونعيم لم نحتج معهما إلى العمل الشاق المضني كما كان حال آبائنا الأولين.
ومن المناظر المألوفة عندنا وقوف المراجعين في طوابير طويلة وهم يتعذبون ويتألمون في انتظار الموظف الهمام.
إن كسل الموظفين العموميين وعدم مبالاتهم وعدم اكتراثهم بالمراجعين يجب معالجتها بالقيادة المسؤولة في كل القطاعات الحكومية.
وما لم يكن عندنا مديرون مدربون ومؤهلون يستطيعون توفير القدوة فهذا الوضع المتردي سيستمر ولن يختفي من حياتنا قريبا.
ونحن نحتاج إلى وضع نظام للتحفيز لتشجيع الموظفين على تحسين الأداء ورفع الإنتاجية، فللجمهور الحق في أن ينتظر من موظفي الحكومة أداء أفضل وإنتاجية أغزر.