Skip to content Skip to footer

هيئة الطيران تودع جدة

في الأيام الماضية قرأت خبرا أثار دهشتي واستغرابي كما لا أشك أن الكثيرين مثلي قد انتابتهم نفس علامات الدهشة والاستغراب، وكان الخبر هو نقل الهيئة العامة للطيران المدني من مقرها في مدينة جدة إلى الرياض عاصمة البلاد.
وأنا على يقين تام بأن الكثيرين مثلي، وحتى الذين يسكنون في مدينة الرياض، قد استغربوا النقل ولم يعرفوا حتى الآن الحكمة وراءه.
ولقد ظلت الهيئة منذ تأسيسها، إن لم تخني الذاكرة، تتخذ من جدة مقرا لها خاصة وهذه المدينة الساحلية الجميلة هي مركز حركة الطيران في البلاد باعتبارها بوابة الحرمين الشريفين التي يدخل من خلالها ملايين الحجاج والمعتمرين والزوار والمقيمين كل عام.
لا أقول هذا من منطلق الانحياز إلى عروس البحر الأحمر، ولكن هذه حقيقة ثابتة أن جدة هي مركز النشاط الجوي ففيها مقر الخطوط الجوية العربية السعودية التي بدأت عام 1945م بطائرة واحدة من طراز DC-3 وأصبحت الآن تمتلك مئات الطائرات العملاقة الحديثة.
وفي جدة أيضا مركز تدريب الخطوط السعودية، وفيها نادي الخطوط في حي الخالدية وكلاهما يرتبط ارتباطا وثيقا بالهيئة التي لا تدير حركة الطيران لكنها مسؤولة عن المطارات وكل ما يحدث فيها ويتعلق بنشاط النقل الجوي سواء من قبل الناقل الوطني، وهو السعودية، أو شركات الطيران الإقليمية والعالمية الأخرى.
ومع مرور الأيام، وتعاقب السنوات أصبح مقر الهيئة هو أحد المناظر المرتبطة بمدينة جدة.
وأنا حقيقة لا أعرف الأسباب الحقيقية وراء قرار نقل مقر الهيئة إلى مدينة الرياض لكن مهما كانت المبررات والدوافع فإني أناشد الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد ووزير الدفاع والطيران بإعادة النظر في هذا القرار بما عرف عنه من حكمة وبعد نظر والحرص على مصلحة الوطن والمواطنين وحبه للجميع.
ويقينا فإن تنوع الموارد والمنشآت هو ديدن الدول الحديثة وعنوان نجاحها.
ومثلا، هل تتخيل كيف سيكون عليه الحال إذا تركزت المؤسسات الصحفية الكبرى والبورصات مثل وول ستريت جورنال في واشنطن دي سي وحدها دون المدن الأمريكية الأخرى؟
كيف ستبدو الأمور إذا اتخذت جميع الشركات الكبرى مثل بوينج وجنرال موتورز وغيرها مقراتها ومكاتبها الرئيسية في مكان واحد؟
وليس سرا أنه من خلال التنوع تقوى المجتمعات وتزداد اللحمة الوطنية متانة وتترسخ قيم المواطنة حيث يشعر المواطنون بأن كل المناطق متساوية وهذا هو المعنى الذي أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في أول خطاباته عندما تولى سدة الحكم.
وأذكر تماما أنني، ومنذ أكثر من 20 عاما، كتبت في إحدى الصحف المحلية مطالبا بجعل مدينة أبها العاصمة المالية للبلاد. ودعيت إلى نقل مقرات البنوك التجارية إلى عاصمة عسير حتى تكون قوية ماليا واقتصاديا وبالتالي تزداد سحرا على سحر وتصبح منطقة جذب سياحي ليس من خلال جمالها الخلاب وطبيعتها الساحرة وكرم سكانها فقط لكن أيضا بمركزها المالي القوي.
ومثل هذه الممارسات ليست مستغربة فمدينة لندن بكل تاريخها وعدد سكانها ونشاطها الاقتصادي ليست هي العاصمة المالية للبلاد وإنما ذهب هذا الشرف إلى مدينة أدنبرة !!
إن جمال الغرب يكمن في تنوع مدنه وموارده البشرية وأمواله وليس مستنكرا أو غريبا أن نحذو حذوه في هذا الشأن حتى نضمن لبلادنا العزيزة جمال التنوع وجاذبيته.
وإن نحن فعلنا ذلك فإننا نكون قد حققنا استراتيجية تنوع الدخل، وعدالة توزيع الثروة، ووسعنا النمو الاقتصادي وخففنا الاختناقات والزحام.
وتلقيت رسالة من صديق يعلق فيها على قرار النقل ويقول إنه لم يفهم حتى الآن الحكمة من ورائه.
ويقول الصديق إن القرار إذا كان يقصد أن تكون الهيئة قريبة من مركز صنع القرار، فإن الحكومة تنتقل أيضا إلى جدة وإلى مكة في بعض أوقات العام.
ويقول الصديق في رسالته إن مقر الهيئة الحالي في مدينة جدة يجعلها في قلب حركة الطيران وقريبة من الناقل الوطني ومراكز تدريبه ومكاتبه ومنشآت دعمه اللوجستي.
ويذكر الصديق التكاليف المترتبة على قرار النقل وما يستلزم ذلك من إنشاء مبان جديدة وعمل تجهيزات أساسية وتعيين موظفين جدد وما يحتاجون إليه من مرتبات شهرية وانتدابات وغيرها من تكاليف مرئية أو غير مرئية.
وقال إن عشرات الموظفين سيتأثرون سلبا بقرار النقل وستزداد تكاليف المعيشة عليهم خصوصا في السكن، مما قد يدفع بعضهم إلى رفض قرار النقل وبالتالي فقدان وظائفهم وخسارة سبل عيشهم.
وتساءل الرجل، لو افترضنا جدلا أن جميع الموظفين قد وافقوا على الانتقال ألا يؤثر ذلك على وضع المدينة التي يسكنونها من خلال ما يعرف في علم الاقتصاد بنظرية «التأثير المضاعف»؟
وقال الصديق، وهو ينافح على بقاء الهيئة في جدة، إن الرياض مدينة مزدحمة وتتوسع بشكل مستمر تزداد معه صعوبة المرور.
وقال الرجل في ختام رسالته إن رئاسة الموانئ البحرية، وهيئة المواصفات والمقاييس، وهيئة الدواء والغذاء وغيرها من مراكز علمية ومؤسسات حكومية أخرى ليس لها ارتباط مباشر برئاسة مجلس الوزراء يمكن توزيعها على بعض المدن الأخرى لإنعاشها اقتصاديا على الأقل. وأجد نفسي مؤيدا له في هذه الفكرة.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment