على صعيد عرفات الطاهر، ينادي ملايين الحجيج من كل فج عميق مهللين ومكبرين في إحراماتهم البيضاء، وهم يرجون رحمة ربهم وغفرانه في هذا اليوم السعيد.
وفي هذا اليوم الأغر، وهو الجمعة، التاسع من ذي الحجة، ذرفت الدموع بغرازة وبكى الرجال والنساء من شدة الخشوع ومخافة الله ورجاء رحمته عله يطهرهم من الذنوب والآثام فيعودون إلى بلدانهم أطهارا أنقياء من الذنوب كما ولدتهم أمهاتهم.
وعلى صعيد هذا الثرى الطاهر، وقف الملايين من الحجاج بسحناتهم البيضاء والسمراء وبمختلف جنسياتهم العربية، والآسيوية، والأفريقية، والأوروبية وغيرها، وهم يدعون ويتعبدون إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر ذنوبهم، ويفرج همومهم، ويستجيب لمطالبهم الدنيوية والآخروية.
ويمثل الوقوف بعرفات قمة أركان الحج الذي بدونه لا يصح الحج ولا يكتمل، إذ قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة).
وحديث (الحج عرفة)، حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده ورواه أبو داؤود والترمذي والنسائي وابن ماجة في السنن. ويمثل هذا اليوم قمة الحج فلا حج لمن لم يقف على عرصات عرفات قبل مغيب شمس يوم عرفه.
وقد جاء ضيوف الرحمن إلى عرفات منذ الصباح الباكر وسيبقون فيها حتى مغيب الشمس حيث سيتحركون إلى مزدلفة لقضاء الليل فيها وأداء صلاة المغرب والعشاء قصراً وجمعاً.
ويستحب في هذا اليوم المشهود الإكثار من الذكر بالتكبير والتهليل والتحميد ففي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)).
وقال البخاري إن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – كان يكبر بمنى بعد الصلاة، وعلى فراشه، وفي مجلسه وممشاه طوال تلك الأيام.
وأضاف: من أراد أن يفوز في يوم عرفة بالعتق من النار وغفران الذنوب فليحافظ على هذه الأعمال.
ويستحب لمن لم يكن حاجاً أن يصوم يوم عرفة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
ويستحب في يوم عرفة الإكثار من شهادة التوحيد بصدق وإخلاص، ففي الحديث كان أكثر دعاء النبي يوم عرفة “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير”.
ويستحب أيضاً الدعاء بالمغفرة والعتق من النار وكان دعاء سيدنا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه- في هذا اليوم هو: “اللهم أعتق رقبتي من النار أوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسقة الإنس والجان”. وليحذر الحاج طوال أيام الحج سواء كان في مكة أو منى أو عرفات من الذنوب التي تمنع المغفرة والعتق من النار، مثل: الكبر، والإصرار على المعاصي.
ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا يوم عرفة بقوله: “اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخير مما نقول، اللهم لك صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، ولك تراثي، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر، اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح”.
وعلى الواقف بعرفة أن يرفع صوته بالتكبير وأن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأن يتلو من القرآن الكريم ما استطاع. وعليه أيضاً أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وإبداء الندم الصادق من القلب على ما اقترفه في سابق أيامه.
ومن الأدعية المختارة أيضاً: “اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اكفني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك”.
اللهم اغفر للحجيج الذين جاؤوك من كل فج عميق طامحين في عفوك، ورضاك، ومغفرتك. اللهم بلغهم مرادهم وأرجعهم إلى أوطانهم سالمين وغانمين.
اللهم سهل للذين لم يؤدوا الفريضة هذا العام أن يتمكنوا من ذلك في الأعوام المقبلة، اللهم لك الفضل، ولك الحمد، ولك المنة.