الأسبوع الماضي كنت في مدينة إسطنبول الجميلة أجلس على شاطئ البوسفور مع أحد الأصدقاء الأمريكيين نتحدث في شتى الموضوعات الجادة وغير الجادة ونتفرج على السفن والمراكب وهي تجيء وتذهب.
وفجأة سألني هذا الصديق الأمريكي: كيف يمكن أن تنمو البلاد في رأيكم؟ فقلت له بلا تردد إن نمو أي بلد يتوقف على وجود نهضة اجتماعية واقتصادية تعنى أولا وقبل كل شيء برفاهية الشعب وحسن معيشته.
وقلت له إن الشعب عندما يكون سعيدا وقانعا ومستقرا فإنه يستطيع أن ينتج بغزارة، وبالتالي يدعم المكاسب الاقتصادية ويساعد على تعزيز الرخاء، وأضفت أن الشعب عندما لا يكون مقيدا بالمآسي ولا يشكو الظلم والألم فإنه يساعد الأمة على النمو والتطور.
وقلت لذلك الصديق بكل ثقة إن المواطنين عندما يعاملون كشركاء ويعطون الأهمية اللائقة بهم فإن مجتمعهم سينمو ويتطور.
ويبدو أن الأمريكي قد أذهلته هذه الآراء المثالية فبادرته بالسؤال ألا تطبق هذه الأشياء في بلادكم؟ فأجاب نعم إنها تطبق كما أنها موجودة في بلادكم أيضا، ورغم أنه قد تكون هناك فروقات في النظرة العامة والثقافة إلا أن طموحاتنا وأهدافنا واحدة.
ولا شك عندي أن أية أم سعودية تتمنى أن يحصل أبناؤها على أفضل المستويات التعليمية وأن يكون لهم كيانهم اللائق في المجتمع. ومعروف أن أي أب وأي أم يتمنيان دائما أن يكون أبناؤهما أفضل حظا منهما وأن يكونوا سعداء ومرتاحين ومستقرين. وتتمنى كل أسرة سعودية أن يكون أبناؤها وبناتها من الأبطال المرموقين المشهورين فهذا مصدر فخر لهم ولأقربائهم كذلك.
ونحن، كما يعلم الجميع، نمر حاليا بمرحلة مفصلية فارقة في تاريخنا فمصدرنا الرئيس للدخل، وهو البترول قد هبطت أسعاره بفعل عوامل اقتصادية خارجية ليس لنا فيها يد وبالتالي تأثرت مداخيلنا وتقلصت مواردنا المالية.
وفي الواقع لم نكن مستعدين تماما لهذه الهزة ولم نكن نتوقعها ولم يكن مجتمعنا جاهزا تماما لمواجهة هذا التحدي الجديد الذي فرضه اعتمادنا الكبير على سلعة واحدة رغم أننا نعلم أنها ناضبة وأن أسعارها متذبذبة.
لكن لا تعني هذه الظروف الجديدة أن نجأر بالشكوى أو أن نتبرم وننزعج بل على العكس تماما فهذه الظروف الجديدة تستلزم أن نشمر عن سواعدنا وأن نبدأ العمل بجد واجتهاد وأن نبتعد عن الكسل والتراخي، فبلادنا العزيزة التي لم تبخل علينا بأي شيء هي اليوم في حاجة إلى وقفة قوية منا حتى تجتاز هذه الظروف القاهرة بأمن وسلام وتستعيد عافيتها وصحتها.
ومع الأسف الشديد فبعضنا يتبرم ويشير بأصابع الاتهام على ما نحن فيه إلى هنا وهناك وليس لهم الصبر المطلوب في مثل هذه الحالات التي لن تستمر طويلا.
وعلينا، بدلا من الشكوى والزئير، أن ننظر إلى هذه المرحلة باعتبارها تحديا اقتصاديا يجب أن نقابله ونتعامل معه بما يليق، ويجب علينا أولا أن نحدد هذه التحديات وأن نعمل ثانيا على احتوائها والتعامل الملائم مع آثارها من خلال العمل الجاد الصادق وزيادة الإنتاج كل في موقعه.
وإلى حين أن تعود الصورة زاهية كما كانت، فقد قررت مقاطعة مجموعات النقاش التي تعيش على السلبية وتتنفس هواءها خاصة ولدينا الكثير مما يمكن أن نقدمه.
بداية لدينا رؤية كاملة ومتكاملة وطموحة وما علينا إلا أن نشارك جميعا في تنفيذها على أرض الواقع لكي تكون النتيجة النهائية نموا اقتصاديا واستقرارا ماليا.
ومن جانب آخر فعلى الحكومة خلال هذه الفترة أن تلتزم بحسن الإدارة والشفافية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وعليها أيضا أن تصغي بكل اهتمام إلى شكاوى المواطنين واستغاثاتهم.
ولا أشك مطلقا أن الحكومة تفعل هذا وأكثر، وعلينا أن نكون شركاء في هذا البرنامج الطموح الذي يرمي إلى تحريرنا من عبودية النفط، ويهدف إلى تنويع مصادر الدخل حتى نتفادى نضوب النفط أو تقلبات أسعاره.
إنني على ثقة تامة بأنه لدينا الكثير الذي يمكن أن نقدمه وأننا مؤهلون تماما لعمل ذلك.