محنة الكورونا والفزع الذي أثارته لدى الجميع يجب النظر إليها باعتبارها امتحاناً لقدراتنا على التعامل مع الأوبئة والأمراض الطارئة. وقد بدأنا نسمع عن هذا الفيروس منذ عامين تقريباً كانت خلالها إدارة العلاقات العامة بوزارة الصحة ترد على أية إشارة له بقولها إن كل شيء كما يرام وأنه لا داعي للقلق.
غير أن انتشار الوباء وازدياد عدد المصابين بالفيروس وارتفاع عدد الوفيات وسوء الاتصال بين المسؤولين والجمهور كانت كلها عوامل أدت إلى زيادة حالة الفزع وسط الناس. وقد قرأنا من مصادر خارجية أن بعض المسافرين من المملكة وهم مصابون بالفيروس قد ماتوا بعد أن نقلوه إلى بلادهم. وقد تحدثت هذه المصادر بكل صدق وصراحة على عكس ما يحدث عندنا.
وقد تعمقت حالة الفزع وسط السكان في المملكة بسبب انعدام الشفافية وقلة المعلومات وسوء التعامل مع الأزمة.
وجاء تعيين المهندس عادل فقيه وزيراً مكلفاً للصحة إلى جانب عمله وزيراً لوزارة العمل بمثابة المفاجأة السارة وقد أعاد بعض الطمأنينة إلى نفوس الناس بإعلانه عن تشكيل فريق متخصص من الخبراء الأجانب والمحليين لفك طلاسم هذا الداء.
وقد رحب المواطنون بزيارة المهندس عادل فقيه إلى بعض المستشفيات في جدة وهو في ملابسه المدنية العادية وبدون مرافقين من إدارة العلاقات العامة. وكان عمله هذا عملاً صادقا نابعا من القلب بدون رياء أو تملق ولم يقصد منه الدعاية لنفسه_ وهو في غنى عنها_ إنما قصد طمأنة الناس وتفقد أحوال المرضى.
ولا يساورني أدنى شك بأن العلاقات العامة في وزارة الصحة لا تعرف الفرق بين إدارة الأزمة والسيطرة على الأضرار حيث كان عملها على الدوام هو تلميع صورة كبار المسؤولين في الوزارة، وتسليط الضوء على زياراتهم وتمجيد إسهاماتهم التي لم تكن في أغلب الأحوال أكثر من حبر على ورق.
وفي هذا الإطار يجب التنويه بزيارات عادل فقيه إلى بعض المستشفيات وتأكيده على حق الشعب في المعرفة وأن المواطن شريك في المساعي الرامية إلى التغلب على هذا الوضع الصعب. وهذا هو المتوقع من الشخصيات العامة ولهذا كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز _ يحفظه الله يختارهم.
ولا تكمن المشكلة عادة في كبار المسؤولين لكن في مساعديهم الذين يتصرفون وكأنهم ملوك الإقطاع. ولا أحسبني مبالغاً فقد سئم الناس من الشكوى من تردي الخدمات الصحية وتدني مستوى النظافة بل والفساد المالي والإداري في بعض القطاعات.
ولنأخذ مستشفى الملك فهد في جدة مثالاً على ذلك. فقد زرت هذا المستشفى عدة مرات لأجده على حاله في كل مرة بدون أي تطور بداية من مدخله مروراً بالتعامل مع المرضى والمراجعين وانتهاء بالتخلص من النفايات. وهذا المستشفى الكبير لا يزال بعيدا جداً عن مستوى المستشفيات العالمية.
ومن هذا الموقع أطالب بعمل مراجعة شاملة للوضع المالي والتشغيلي لوزارة الصحة ومحاسبة كل المسؤولين المقصرين خاصة وأن بلايين الريالات قد خصصت لهذه الوزارة بينما الخدمات الصحية تراوح في مكانها.
ولا يجب أن يحصل أي موظف كبير في الوزارة على أي ترقية حتى يترك مكتبه الوثير ويذهب إلى العمل الميداني ليشاهد بعينيه معاناة المرضى والمراجعين. وقد تم عمل هذا بالفعل في بريطانيا مؤخراً.
وقد اتضح لنا الآن بجلاء أننا غير مؤهلين للتعامل مع انتشار الأوبئة ويجب علينا في هذه الحالة أن نستفيد من أصحاب الخبرات في هذا المجال مثل المركز الأمريكي للوقاية والسيطرة على الأمراض في أتلانتا بولاية جورجيا.
وعلى الوزارة تكوين فرق متخصصة في كل مدينة بالمملكة لمراقبة أداء المستشفيات. وعليها أيضاً أن تضع حداً للفساد والمحسوبية. وليس ضرورياً أن تكون طبيباً لتكون وزيراً للصحة فكل وزراء الدفاع في الولايات المتحدة لم تكن لهم خلفية عسكرية وإنما كانوا مسؤولين كبارا في بعض الشركات الكبيرة.
إننا نحتاج إلى مديرين جيدين يقومون بدورهم بتعيين مهنيين لإدارة وتشغيل المرافق الصحية وينشئون نظاماً صحياً يرضى عنه الجميع.