سألني صحفي غربي زائر الأسبوع الماضي: ماذا تريد الشعوب العربية؟ أجبته قائلاً: أولاً: إن العرب ليسوا مجموعة عرقية واحدة ومتجانسة، فهناك كما قد تعلم، عرب المغرب العربي، وعرب الشام، وعرب الخليج بعاداتهم المختلفة وأهدافهم المتباينة وآمالهم المتنوعة.
ومع هذا الاختلاف فللعرب كثير من القواسم المشتركة، منها على سبيل المثال: اللغة الواحدة، رغم اختلاف اللهجات المحلية، والألحان الموسيقية المتشابهة والآداب والفنون والثقافة الواحدة. وفوق هذا وذلك فهناك روح القومية التي توحد بينهم.
وكانت الشعوب العربية تواقة على الدوام للوحدة التي أشعلتها روح القومية التي أزكاها الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر. وزاد من الشعور بأهمية الوحدة العربية الرغبة العارمة في تحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي الذي تم بمساعدة غربية لا تخفى على أحد. وقد أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى أن تصاب الشعوب العربية بالإحباط خاصةً وأن بعض زعمائها كانوا متواطئين مع القوى الغربية.
ومن المحزن أن بعض الزعماء العرب قد لجؤوا إلى استخدام القوة لتغيير الواقع المحلي، وهكذا شهدنا الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة لها خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم.
وكانت كثير من هذه الانقلابات دموية أهدرت فيها الكثير من الدماء البريئة.
وبينما شهدت مصر نوعاً من الاستقرار النسبي في أعقاب ثورة يوليو 1952م، ظهر عدد من القادة الذين ادعوا أنهم استولوا على السلطة لتحرير فلسطين وكان الادعاء وحده كفيلا بإسكات الشعوب العربية لأنها كانت بالفعل تواقة لتحرير هذا الجزء العزيز من العالم العربي. وظهر هؤلاء الأدعياء في سوريا، والعراق، وليبيا وقد أدت مغامراتهم غير المحسوبة إلى كثير من الشقاء في العالم العربي.
وبينما كان العالم مشغولاً بتحقيق الرفاه الاقتصادي، نجد بعضاً من القادة العرب وقد ركزوا كل جهودهم على توطين دعائم حكمهم بالقهر وعن طريق حرمان شعوبهم من حقوقهم الإنسانية الأساسية.
واليوم نجد أنفسنا في حالة يرثى لها. فالربيع العربي الذي كان الكثيرون منا يأملون في أن يغير أحوالنا، قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق المأمول منه. فهل كان حقاً ربيعاً عربياً أم خريفاً للأنظمة الديكتاتورية؟!
وفشل العرب طوال السنوات الماضية في بناء مؤسسات الدولة، مع غياب حرية الصحافة والخوف الذي زرعوه في نفوس شعوبهم، قد أدى كل هذا إلى أن تبقى الشعوب العربية محبطة وشقية.
ونحن نعيش اليوم في حالة من الفوضى. فالسنوات الطويلة من القهر والإذلال مع الغياب الكامل للحرية والديموقراطية السليمة قد أدت إلى ظهور أناس لا يعرفون ما يريدون بالضبط.
وأضف إلى حالة الفوضى السائدة ظهور التطرف الذي بدأ يهدد المنطقة العربية بأسرها. وكان المتطرفون من الذكاء بحيث ركبوا قطار الديموقراطية حتى استطاعوا الوصول إلى السلطة.
وعلاوة على كل ما سبق فيجب ألا ننسى تدخل القوى الكبرى في الشؤون العربية. فها هي أمريكا تغزو العراق وتدمر وتنشر الفوضى في ربوعه بل وتخرجه من التاريخ. وفي سوريا تستمر الحرب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس والتي لم تستطع الجامعة العربية أو منظمة الأمم المتحدة إيقافها والحد من العدد المتزايد للضحايا والمشردين، فظل العالم يتفرج على هذه الحرب بينما آلاف السوريين يقتلون أو يجبرون على اللجوء إلى دول الجوار وفي أراضي الله الواسعة.
والأمل الآن في الشباب الذين زهدوا من ممارسات قادتهم ومن أداء حكوماتهم وقالوا لهم بالفم المليان: (كفى)!!
والشباب العربي اليوم موحدون أكثر من أي وقت مضى حول فكرة الازدهار الاقتصادي والأمن الاجتماعي وطالبوا بأعلى أصواتهم بالتعليم الراقي، والتوظيف، والسلم الاجتماعي والمستقبل الواعد.
ويود هؤلاء الشباب تقرير مصيرهم بأنفسهم وهم يرفضون تماماً فكرة العنف والتطرف ويريدون النظام وحكم القانون.
إن الشعوب العربية تمتلك الكثير من المواهب الشابة الذين لا يقلون شأناً عن نظرائهم في العالم، بينما هم يريدون السلام العادل، فإنهم ليسوا على استعداد للاستسلام للتدخل من جانب القوى الخارجية.
إن الشباب العربي يريدون الحكومات التي تبني مؤسسات الدولة وتضمن الحرية والعدالة الاجتماعية وتسعى لتحقيق الحياة الكريمة لشعوبها، إنهم تواقون للحرية المنضبطة في إطار القانون والنظام.
هذا ما تريده الشعوب العربية والتي تستحق أن تعيش بكرامة وكبرياء.