Skip to content Skip to footer

لنعلم شبابنا ثقافة قبول الآخر وفلسفة البناء لا الهدم

رحب كثير من الناس، إن لم يكونوا كلهم، بهجمات التحالف الدولي الجوية على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا. وقد تسبب هذا التنظيم الذي يدعي الإسلام، الكثير من الأذى والضرر للناس في المنطقة بل امتد هذا الضرر ليشمل الإسلام نفسه حيث زاد من تصور الناس في الغرب على أنه دين الدماء والأعمال الوحشية. وإلى جانب شلالات الدم التي تجريها داعش حتى على المسلمين أنفسهم، فإن خطرها الكبير يكمن في استهداف العقول الصغيرة لتجنيدها وكسبها إلى جانبها لنشر المزيد من العنف والوحشية في العالم. إن صور جز الرؤوس والتعذيب والوحشية قد شكلت صدمة كبيرة لكثير من المسلمين الذين يكرهون مثل هذه الأعمال.
وأعطت داعش بأعمالها الوحشية المبررات الكافية لكثير من وسائل الإعلام الغربية لتربط هذه الأعمال الهمجية بالدين الإسلامي نفسه وتصوره بأنه دين القتل وعقيدة سفك الدماء.
إننا نحتاج للتفكير في حلول عاجلة للدمار الذي سببته داعش للإسلام والمسلمين ووضع استراتيجية ناجعة لمواجهة خطر الدواعش خاصة وأنهم قد اقتربوا كثيراً من حدودنا. والهجمات العسكرية على داعش من قبل الجبهة العربية الموحدة، على أهميتها، ليست كافية للحد من خطر هذا التنظيم الإرهابي الذي لا يعرف ديناً ولا ملة. ومن المهم جداً ضرب التنظيم في جذوره ووضع حد لانتشار خطره قبل أن يستفحل ويصبح من الصعب السيطرة عليه أو احتوائه. ونحن نحتاج أيضاً إلى استراتيجية فعالة لمواجهة ثقافة الإرهاب والتطرف وإلى تعزيز روح التسامح والوسطية التي هي منهج الإسلام.
ويجب أن نحمي عقول شبابنا الصغار من حملات داعش المكثفة التي توعدهم بالجنة وبحياة أفضل في الآخرة إن هم انضموا إليها في حربها ضد المسلمين الآخرين.
إننا نحتاج إلى تزويد أبنائنا وبناتنا الصغار بالفهم الصحيح للدين وننشر بينهم الوعي الكافي لرفض العنف والتطرف ولتعزيز قيم الحوار، والتسامح، والاحترام المتبادل مع كل الأديان والثقافات المختلفة.
ومما يؤسف له أن مجتمعنا قد شهد خلال العقدين الماضيين انتشاراً سريعاً لعدم التسامح والطائفية وسط شبابنا الصغار مما يشكل تحدياً كبيراً لأسلوب حياتهم الهادئ والمسالم. ولقد تعرض شبابنا إلى الخطب النارية من بعض أئمة المساجد الذين لم يألوا جهداً في حشو عقولهم البريئة بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هم لم يخرجوا للجهاد أو الفريضة الغائبة كما يدعي المتشددون.
وفي المدارس يتابع بعض المدرسين عملياتهم الممجوجة بغسيل أدمغة التلاميذ الصغار ليصبحوا شباباً متطرفين، ولا يقف هذا الأمر على المدارس أو المعسكرات الصيفية لكنه يمتد أيضاً إلى الفضاءات الأسفيرية التي أصبحت تعج بالفتاوى الغريبة التي لا علاقة لها بالإسلام.
إن التأخير في وقف انتشار التطرف وفي مواجهة داء الإرهاب قد كلفنا كثيراً. ويجب علينا ألا نتأخر أبداً في تنفيذ استراتيجية متكاملة لمواجهة الدعوات إلى العنف والتطرف قبل أن تنتشر كالنار في الهشيم.
وعلى كل فإن معرفة المشاكل والاعتراف بالأخطاء هي خطوة مهمة على الطريق الصحيح. وما نحتاجه حقيقة في هذا الوقت هو أن نسمح لكل الأصوات بالتحدث وأن نستمع لكل الآخرين وألا نحجر على أي رأي وأن نعلم صغارنا احترام الكبير وتوقيره وقبول الرأي الآخر مهما اختلفنا معه.
إن المتطرفين بيننا الذين يسارعون لقمع أي رأي مختلف هم السبب الحقيقي وراء انتشار التعصب في المجتمع ورغم أن السلطات المعنية قد زادت من حملاتها في مواجهة أصحاب الفكر الضال إلا أنهم لا يزالون يتمتعون بالكثير من التأثير على الشباب.
وعلى وسائل الإعلام أن تلعب دورها المنوط بها في هذا الجانب فتفضح دعاة الغلو والتطرف ولا تسمح للمتشددين بالكتابة فيها أو التحدث في منابرها. وعلينا أيضاً أن نشدد العقوبات القضائية على أصحاب الفكر الضال وأن نجرم كل فعل أو دعوة تؤدي إلى نشر الكراهية والتطرف فلا وصاية لأحد على الدين وليس لأحد الرخصة في أن يكون المتحدث باسم الدين. ومن أجل نشر الوسطية، فيجب أن يكون هناك تعاون كامل بين الحكومة وكافة القطاعات الأهلية الأخرى. كما يجب على جامعاتنا ومؤسساتنا الأكاديمية تشجيع الطلاب على الخلق والابتكار دون التخلي عن قيمهم الإسلامية السمحة.
إن علينا واجباً دينياً وأخلاقياً تجاه شبابنا لحمايتهم من الوقوع في براثن التطرف والإرهاب. وعلينا أيضاً أن نعلمهم كيف يعمرون الأرض ويستمتعون بالحياة كما أراد لنا ربنا أن نفعل. ويجب أن نعلمهم ثقافة احترام الآخر وفلسفة البناء لا الهدم.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment