في رحلة مؤخرا من جدة إلى دبي جلست إلى جانب رجل ألماني في الطائرة وعرفت منه بعد التعارف أن هذه هي زيارته الأولى للمملكة وأن أسرته كانت قلقة عليه كثيرا ولكي يطمئن زوجته وعدها بان يتصل بها هاتفيا كل أربع ساعات، لكنه سرعان ما اكتشف انه آمن تماما، وليس لزوجته أي مبرر للقلق أو الخوف. كما اكتشف الرجل أن أيامه الثلاثة في جدة كانت ممتعة بحق غير أن ما أزعجه في عروس البحر هي أبواق السيارات التي لا تتوقف، والسائقون الذين يقودون سياراتهم بدون أدنى اهتمام بقواعد المرور وهذا الرجل متعلم تعليما عالياً كما انه عاش في عدد من الدول حول العالم. و لم يكن خائفاً أو متوجسا من زيارته إلى مدينة جدة إلا أفراد عائلته وأصدقاؤه لم يكونوا مرتاحين لهذه الزيارة. وأثار حديث الرجل معي كوامن أشجاني وجعلني أفكر وأتساءل: لماذا هذه الصورة السالبة عنا في الغرب عموما وفي أمريكا بالذات؟ وأنا بالطبع أعلم أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر إلى جانب عوامل أخرى قد ساعدت على تكوين هذه الصورة غير الجميلة عنا كمجتمع سعودي، لكن مر على هذه الأحداث الآن زمن طويل كان حري بنا أن نتجاوز آثارها.
ومما يؤسف له كثيرا أن بعض وسائل الإعلام في الشرق والغرب قد أسهمت كثيرا في تعميق هذه الصورة السالبة عن بلدنا. لقد حاولنا كثيرا أن نفتح أبوابا جديدة وأن نصل إلى هؤلاء الناس غير أننا لم نعرف حتى الآن الوسيلة الناجحة لمواجهة هذه المشكلة. وبعد تلك الأحداث المشؤومة نظمت رحلات كثيرة لعدد من المسؤولين وغير المسؤولين السعوديين إلى الولايات المتحدة، غير أن الرسائل التي نقلوها لم تجد أذنا صاغية عند الأمريكان.
وربما تكون هناك بعض همهمات من المجاملة الخجولة من بعض المسؤولين الأمريكيين، لكننا لم نستطع معالجة النغمة المعادية للسعوديين والمسلمين عموما في أمريكا بصورة سليمة.
وفي معظم الأحيان لم نكن نمتلك القدرة على مخاطبة الشعب الأمريكي، لهذا أصبح حوارنا معهم عديم الفائدة. ولا يمكن لنا أن نقف أمام جمهور من المستمعين الأمريكيين بعد وقت قصير من تلك الهجمات لنقول لهم إننا نحبكم، لأنهم في قرارة أنفسهم مقتنعون تماما بأننا قتلنا حوالي ثلاثة آلاف منهم. ولا يمكن كذلك أن نقول لهم إننا حلفاؤكم بينما هم يقرؤون التصريحات الممجوجة لبعض العلماء المتطرفين، وذات مرة سمعت رجلا سعوديا يقول لمجموعة من الأمريكيين إنه يحب بيتزا نيويورك وكأنه بذلك سيكسب ودهم أو أنه بهذه التصريحات البلهاء سيستطيع بناء علاقات أقوى بين البلدين. وظهرت الدهشة على وجوه الأمريكيين الذين كان يخاطبهم. وبعض السعوديين الآخرين يحاولون التقرب إلى الأمريكيين بقوله: إننا مثلكم تماما، وهذا لعمري أبعد ما يكون عن الحقيقة.
إنني أتألم لمثل هذا القول، فنحن لسنا مثل الأمريكيين، رغم أنه قد تكون لدينا بعض المثل والقيم المشتركة. كما أننا قد أخطأنا عندما قمنا بدعوة بعض الوفود الأمريكية، ونظمنا لهم جولات سياحية، غير أننا لم ننغمس معهم في حوارات عقلانية أو نتحدث معهم بكل صراحة وشفافية.
ولم نقل لهم إننا كمجتمع متنوع، نحاول أيضا أن نصل إلى توازن يجعلنا نتقبل بعضنا بعضا، وأنه لدنيا المتطرفون مثلما لديهم أيضا، وعلينا أن ندرك أننا في بعض الأحيان نفشل في نقل رسالة صادقة عن آرائنا وتصوراتنا بسبب أسلوب النقل الضعيف.
ومثال على ذلك محاضرة قدمها أحد شيوخنا في إحدى الجامعات البريطانية العريقة باللغة العربية حضرها نحو مئة شخص لم يفهموا شيئا بسبب رداءة الترجمة.
ولكي يعلم العالم الكثير عنا، فأنا أقترح أن نقوم بدعوة صحفيين عالميين ليأتوا إلينا ويكتبوا عن ثقافتنا وعاداتنا وأسلوب حياتنا. إننا ندعوهم لكي يروا ويسمعوا، فليس لدينا ما نخفيه.
وبالطبع سيقوم بعضهم بالكتابة عن منع المرأة من قيادة السيارة، وهو الموضوع الذي ألفناه وتعودنا عليه، كما إن بعضهم سيكتب عن الشباب والشابات السعوديات الحريصين على تطوير بلادهم بعد أن يكونوا قد التقوا بهم واستمعوا إليهم وحاوروهم، كما سيكتبون عن الجهود الحثيثة التي يبذلها الرجال المخلصون لتطوير هذا المجتمع، وسيكتب بعضهم أيضا عن الوافدين الذين أسهموا في مشروعات التنمية العملاقة.
ولا أنكر أن هناك عددا من المشكلات المتعلقة بالخادمات وسوء معاملتهن من بعض الأسر، وقد ينتهي أحد هؤلاء الكتاب الأمريكيين بكتابة موضوع عن إحدى الأسر السعودية في الرياض التي استقدمت خادمة لتقوم بخدمة خادمتها!
نعم لدينا بعض الموضوعات التي يمكن لهؤلاء الكتاب تناولها، لكنها بالقطع لن تكون عن المسؤولين ذوي الياقات البيضاء، لكن عن المواطنين البسطاء الطيبين الكرماء، وهذه ستكون موضوعات قيمة وذات مضمون، لكن هذه الموضوعات لا تظهر إلى العلن في إعلامنا وصحافتنا التي تركز دائما على كبار المسؤولين.