المجتمعات القائمة على المعرفة، هي من ضرورات التنمية الاقتصادية المستدامة.
وهذه الحقيقة لم تغب عن بال خبراء التعليم، حيث تقول الدكتورة أسماء الفضالة – وهي مديرة البحوث في مركز أبحاث التعليم في قطر – إن التعليم هو الأداة الفاعلة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
وتقول الدكتورة – وهي خبيرة تعليمية مرموقة – إن دراسة العلوم، والتقنية، والهندسة، والرياضيات تعتبر إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لدول مجلس التعاون الخليجي.
وأضافت أن نجاح سياسة تنويع مصادر الدخل يعتمد أعتمادا كاملا على أنظمة التعليم التي تسلح الطلاب بالمهارات التي تمكنهم من التنافس العالمي وتحقيق أهداف بلدانهم في الوصول إلى اقتصاد المعرفة.
والأسئلة التي تبادرت إلى ذهني بعد أن استمعت إلى الدكتورة أسماء الفضالة هي: كيف هو واقع الحال في مدارسنا اليوم؟ هل نحن نهيئ أبناءنا وبناتنا لمقابلة احتياجات القطاع الخاص والشركات الكبرى التي تتطلب كفاءة عالية، ومعرفة عميقة في مجالاتهم وتعليما راقيا يمكنهم من التنافس في سوق الأعمال والصناعة شديد التنافسية.
هل زرعت مدارسنا في عقول أبنائنا وبناتنا أخلاقيات العمل وجعلت منهم شخصيات مستقيمة ومستنيرة؟هل أثر تركيزنا الشديد على مقررات بعينها مثل المواد الدينية، والتاريخ، والآداب، والجغرافيا وغيرها سلبا على نظامنا التعليمي؟ ولعل من الجدير بالذكر في هذه المناسبة أن إحصاءات المنتدى الاقتصادي العالمي قد ذكرت أن دول مجلس التعاون الخليجي بها أكبر نسبة بطالة وسط الشباب في العالم.
وفي رأيي الشخصي إن هذه النسبة العالية من البطالة ترجع إلى أسباب عدة ليس أقلها عدم الاهتمام الكافي بالنظام التعليمي، وعدم تأسيس أخلاقيات العمل، وعدم القدرة على إجادة الوصف الوظيفي المطلوب لكل مهنة.
وإذا ظل نظامنا التعليمي مليئا بالعوار، كيف يمكن أن يتسنى لنا أن نحقق الرفاه في المستقبل ونؤكد وجودنا بين الأمم ما لم يكن لدينا الطلبة والطالبات ذوو القدرات المناسبة التي يحتاجها سوق العمل؟ونحن بالقطع لا نرمي باللوم على الطلاب فهم حصيلة ما يزرع في عقولهم ونتاج ما يقدمه لهم النظام التعليمي، فإن صلح النظام صلحوا وإلا فإن الفشل سيكون مصيرهم المحتوم.
والنظام التعليمي عملية مشتركة بين الطلبة، والمدرسين، والمدارس، وإداراتها، ووزارة التعليم، والآباء والأمهات، فهي إذن عملية متكاملة إذا نقص فيها جانب فهو سيؤثر على الجوانب الأخرى كلها.
ولقد ظللنا نناقش لسنوات عدة الوضع المزري للمدرسين فهم ينقصهم التدريب والتحفيز وبالتالي لا يمكن أن نطالبهم بالكثير.
والمدارس نفسها متهالكة وكثير منها في مبان مستأجرة ولم توفر لها المواد الكافية، وليست لديها رؤية كاملة بالمطلوب منها.
وبالطبع فإن مثل هذه الظروف لا تساعد على التفوق ولا يمكن أن ننتقل تحتها إلى مجتمع المعرفة.
إننا نحتاج إلى تغيير شامل وغربلة كاملة للنظام التعليمي وهذا التغيير المأمول لا يزال يسير بسرعة السلحفاة رغم الميزانيات الضخمة التي خصصت لوزارة التعليم.
وهذا التغيير المنشود يجب أن يشارك فيه، إلى جانب الوزارة المعنية بالطبع، رجال التعليم، والخبراء التربويون، والآباء، والطلبة، والمؤسسات التعليمية المرموقة على المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية كافة.
ويجب علينا أن ننتبه جيدا لكلمات الدكتورة أسماء الفضالة التي قالت: إن المجتمع بأسره يجب أن تكون له نظرة شاملة ودراية كاملة بالرباط القوي بين الفرص الاقتصادية وأنظمة التعليم المتطورة والممارسات في الفصول الدراسية!!وحتى نفعل كل هذا، فسنظل نقبع في آخر القائمة عندما يتعلق الأمر بالمستويات التعليمية.
ولا أتحدث هنا عن المستويات التعليمية في أمريكا وأوروبا والغرب عموما ولكن حتى الدول الآسيوية الأقل منها ثراء وتطورا.