لفت نظري في صحافتنا المحلية الأسبوع المنصرم خبران عن أئمة المساجد والدعاة. كان أولهما حديثا للشيخ أحمد جيلان من وزارة الشؤون الإسلامية، والأوقاف، والدعوة والإرشاد قال فيه إن على الخطيب أو الداعية أن يتعامل مع خطبة الجمعة على أنها مسؤولية اجتماعية، وأن عليهما ملاحظة الاتجاهات غير المرغوب فيها في مجتمعنا لعلاجها أو تصحيحها أو القضاء عليها بالكامل.
وأكد الشيخ جيلان على ضرورة التدريب والتأهيل للأئمة والدعاة، وقال إن عليهم الاستماع بكل دقة لأفراد المجتمع ومعرفة ما يثير اهتمامهم وما يثير غضبهم أو نفورهم.
وكان الخبر الثاني عبارة عن مناشدة أطلقها الشيخ الدكتور توفيق السديري وكيل الوزارة لشؤون المساجد للأئمة والخطباء بضرورة الابتعاد عن الصراعات والتطورات السياسية في العالم، خاصة في الدول المجاورة وقال، صادقا، إن خطب الجمعة ليست نشرات للأخبار.
ولا شك أنه أمر مشجع أن يكون كبار المسؤولين في الوزارة مدركين لمسؤوليات مناصبهم والتزاماتهم نحو المجتمع وأن يتدخلوا بالتنبيه والتحذير عندما يكون هذا ضروريا.
ولا يستبعد أن يكون عدد من أئمتنا وخطبائنا غير مؤهلين فكريا أو دينيا لأداء الدور الكبير المنوط بهم كمشاعل تنير الدروب وترشد إلى الطريق نحو الله سبحانه وتعالى بفهم واعتدال وسماحة. ويحرص بعض من هؤلاء الأئمة والدعاة على فرض وجهات نظرهم على الآخرين متجاهلين تماما الطوائف والمذاهب الأخرى في الإسلام. ولاحظت أن عددا من المصلين من الكبار والصغار يأتون إلى المسجد متأخرين لصلاة الجمعة وبعضهم يدخل عند إقامة الصلاة.
وسألت بعضهم لماذا تأتون متأخرين للمسجد يوم الجمعة؟ وأدهشتني إجابتهم أن الخطب مملة ومكررة وبعضها طويلة جدا لدرجة يفقدون معها تركيزهم ويغلب عليهم النعاس والإمام يرغي ويزبد بكلام لا يجدونه مفيدا أو مثيرا للاهتمام.
وقال بعضهم إن بعض الأئمة يتناولون موضوعات قديمة وبالية تجاوزها الزمن وهم في غياب كامل عن الأمور والمشاكل والموضوعات التي تهم المجتمع.
ولكم تمنيت لو أن الخطباء حثوا المصلين على اتباع الأنظمة والقوانين لأنهم بذلك يعبرون عن حبهم وولائهم لوطنهم، فالمواطن المسؤول المحب لبلده هو الذي يحترم قوانينها وأنظمتها.
وكم كنت سأسعد لو أن الخطباء ركزوا على الدعوة للعمل التطوعي وعلى غرس مفاهيم التكافل، والتضامن والتعاون، فهذه شيم الإسلام السمحة ومبادئه النبيلة.
وتمنيت من قلبي أن يتناول الخطباء مسائل اجتماعية مهمة، مثل حسن الجوار والنظافة التي هي من الإيمان، وإفشاء السلام واحترام الكبير وتوقير الصغير، وإماطة الأذى عن الطريق وتقبل الرأي الآخر بكل سماحة وأريحية، وإغاثة الملهوف ومساعدة المكروب، وغيرها من قيم أخلاقية نبيلة حض عليها الإسلام والديانات السماوية الأخرى.
إن خطب الجمعة يجب أن تداوي الجراح وتطهر القلوب وتؤكد على التلاحم ووحدة الوطن وسلامة أراضيه وأن تتناول الأخطار والعواقب الوخيمة للفكر المتطرف والغلو الديني وأن تؤكد على قيم التسامح والإخاء وثقافة الاختلاف.
ويجب أن يركز الخطباء على مبدأ الحوار بين الأديان وتقبل الثقافات الأخرى وألا يحتقروا أو يسخروا من اتباع المعتقدات الأخرى.
وأتمنى أن يشرح الخطباء للمصلين كبارهم وصغارهم كيف أن النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، كان محبا للمساكين نصيرا للضعفاء كافلا للأيتام نصيرا للمرأة، حيث أوصانا أن نستوصي بالنساء خيرا، وقال إن خيركم خيركم لأهله.
ويهدر كثير من أئمتنا وخطبائنا وقتا ثمينا في الحديث عن أمور تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع أو أنها في أفضل الأحوال قضايا انصرافية لا تهم أحدا.
ويبدو أن بعض الأئمة لهم عشق لا ينتهي بمكبرات الصوت وهم معنيون برفع عقيرتهم بالصياح لدرجة قد تصيب المصلين بالصمم، أو في أفضل الأحوال تؤدي إلى خلل في سمعهم أو تحدث لهم صداعا مزمنا.
ويصر بعض الخطباء على إسكات أصوات زملائهم المنبعثة من مساجد قريبة وهم في الواقع يصيحون ولا يتحدثون، لدرجة ترتج لها جنبات المسجد وتشعر بأنه سينفجر في أي لحظة. وسألني أحد المسلمين الأوروبيين بعد أن أدى صلاة الجمعة معنا في أحد المساجد: لماذا يصيح خطباؤكم بهذا الصوت المرتفع الذي تغيب معه الإبانة والوضوح؟ وابتسمت وقررت أن أترك الإجابة للقراء الأعزاء.
ويتجاهل بعض الخطباء عن عمد تعليمات وزارة الشؤون الإسلامية الواضحة بضرورة أن تستخدم مكبرات الصوت للأذان والإقامة، أما القراءة في الصلاة فتتم في المكبرات داخل المسجد بحيث لا يخرج الصوت إلى الخارج.
وهناك مرضى، وأطفال صغار ورجال ونساء من كبار السن الذين تزعجهم مكبرات الصوت وتقلق راحتهم ولا تقدم لهم شيئا مفيدا، لأن القراءة تكون غير واضحة والميكرفونات لا تحمل لهم سوى الإزعاج. ويمكنك أن تتخيل حجم الإزعاج الذي يصيب سكان الحي إذا انطلقت الميكرفونات بأصواتها المزعجة من خمسة مساجد في الحي في نفس الوقت.
وعلى الأئمة والخطباء أن يدركوا أن كل الناس يمكنهم هذه الأيام سماع تلاوة القرآن بكل هدوء وسكينة من خلال هواتفهم المحمولة، وأن يعلموا أيضا أنه بسبب الأصوات العالية وتداخل مكبرات الصوت فإن التلاوة تكون غير واضحة وبالتالي غير جاذبة أو مفيدة. وبدلا من التركيز على الأصوات المرتفعة ومكبرات الصوت المجلجلة يكفي أن يقدم لنا الخطباء خطبا متوازنة ومفيدة ترشدنا عن كيف يمكن أن نبني مجتمعا راقيا ومثاليا وكيف يمكن أن نكون مسلمين جيدين.
وطالما فشل الخطباء في هذا الأمر فهم بذلك مقصرون في أداء الدور التوجيهي والإرشادي والديني والمجتمعي المنوط بهم.