حكت لي شابة سعودية تخرجت في إحدى أرقى الجامعات الأمريكية أنها قد زارت الولايات المتحدة الشهر الماضي وأثناء وجودها هناك بعثت برسالة إلى مدير الجامعة مبدية رغبتها في زيارته والحديث معه.
وجاءها رد المدير سريعا مرحبا بها ومقترحا عليها أسماء بعض الشخصيات المهمة الأخرى في الجامعة للاجتماع بها والتباحث معها.
وكان واضحا من خلال رده أن السيد رئيس الجامعة قد بحث في قوقل عن اسم هذه السيدة ووظيفتها الحالية وجمع المعلومات الكافية عنها.
وقالت هذه السيدة إن اجتماعها مع رئيس الجامعة كان مثمرا وبناء ومفيدا وأن الرئيس وكبار المسؤولين الذين حضروا الاجتماع معه تحدثوا إليها عن إنجازات بعض الطلبة والطالبات العرب الذين تخرجوا في هذه الجامعة.
وكان واضحا أن الجامعة، ورئيسها وأساتذتها يتابعون الخريجين ويعرفون ما حققوه منذ تخرجهم وعودتهم إلى بلادهم ولم تنقطع صلتهم بهم.
وقالت إن رئيس الجامعة والمسؤولين الآخرين الذين حضروا الاجتماع استمعوا باهتمام كبير إلى المقترحات التي تقدمت بها لتعزيز التعاون بين الجامعة والمؤسسة التي تعمل بها في المملكة وأبدوا حماسا كبيرا لذلك، كما أعربوا عن استعدادهم لعمل كل ما من شأنه تطوير العلاقات بين الجامعة والمؤسسات الأخرى في بلدان الخريجين.
وقالت هذه السيدة بالحرف الواحد «بكل صدق وصراحة فقد اندهشت من مستوى الاهتمام الذي أبداه رئيس الجامعة والمسؤولون الآخرون الذين حضروا الاجتماع معه، وأضافت: لم أصدق أبدا أن تبدي الجامعة ومسؤولها كل هذا الاهتمام بالاجتماع معي والإصغاء باهتمام إلى مقترحاتي وآرائي.
وقد أعجبتني رواية هذه السيدة وصرت أفكر في أوضاع الجامعات والمعاهد العليا عندنا وتساءلت بيني وبين نفسي هل يقبل رئيس أي جامعة في بلادنا العزيزة استقبال أي خريج بعد مرور عشرات السنوات على تخرجه؟
هل هو على استعداد للاجتماع بهم والاستماع إليهم باهتمام؟
هل سيدعو المسؤولين الآخرين بالجامعة لحضور الاجتماع بينه وبين الخريجين القدامى؟
هل رئيس جامعتنا على استعداد لكي يبحث في الانترنت أو غيره من وسائل التواصل ليعرف ماذا حدث للخريجين وما حققوه منذ تخرجهم؟
هل رئيس جامعتنا الهمام، والأساتذة الأجلاء معه، على استعداد للتباحث مع الخريجين القدامى وتطوير التعاون بين الجامعة والمؤسسات الحكومية أو الخاصة التي يعمل بها هؤلاء الخريجون؟
أطرح هذه الأسئلة لأنني سمعت خلال السنوات الماضية تعليقات سلبية عن مواقف بعض رؤساء الجامعات والمعاهد العليا وعمداء الكليات والأساتذة الكبار فيما يخص علاقاتهم بالخريجين، وكأن هذه العلاقة تذهب أدراج الرياح بمجرد أن يحصل الخريج على شهادته ويغادر الجامعة إلى غير رجعة.
بالطبع لا أستبعد وجود استثناءات وليس حكمي حكما مطلقا لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه وكما هو معلوم بالضرورة فلكل قاعدة شواذ لكن في أغلب الأحوال تنقطع العلاقة بين الجامعة والخريج ولا يكون لدى رئيس الجامعة الوقت للاجتماع بطلابه الحاليين فما بالك بالسابقين؟
وفي كل بلاد العالم تحتفظ الجامعات بسجلات كاملة عن الخريجين ويتم تحديث هذه السجلات بين الفترة والأخرى وتستمر العلاقة بين الطرفين إلى سنوات طويلة.
ويمثل هؤلاء الخريجون ذخيرة لا تنضب للجامعات التي تخرجوا فيها فهي تمثل لهم منزلا ثانيا وعائلة أخرى يزيدهم شرفا إبقاء حبال الود موصولة معها.
ولا بد أن للخريجين عندنا قصصا يروونها عن جامعاتهم التي تخرجوا فيها ورؤساء الجامعات وأساتذتها.
هل ينأى رؤساء الجامعات عندنا عن الخريجين لأنهم يعتقدون أنهم قد أدوا ما عليهم تجاههم وأن الدور الباقي على الخريجين الآن لكي يؤدوا أعمالهم ويهتموا بحيواتهم الخاصة؟
والحقيقة، لقد فكرت كثيرا في أمر الخريجين وجامعاتهم القديمة بعد أن أعادت تلك السيدة المتخرجة في الجامعة الأمريكية إلى ذهني هذا الموضوع بكل زخمه وحرارته.
ولا أجد تفسيرا لابتعاد رؤساء جامعاتنا عن خريجيهم إلاّ مواقف التعالي التي يتخذها بعض هؤلاء الرؤساء فهم يعتقدون أنهم قد أدوا واجبهم كاملا نحو هؤلاء الخريجين.
وبعض رؤساء الجامعات عندنا لا ينقصهم الغرور والنفخة الكاذبة وهم يمثلون الطاووس في خيلائهم وإعجابهم بأنفسهم.
ولهؤلاء أقول رفقا بأنفسكم فلو دام هذا الكرسي لغيركم ما آل إليكم.