Skip to content Skip to footer

المواطنون والإعلام خط الدفاع الأول ضد الفساد

أعلنت الهيئة السعودية لمكافحة الفساد (نزاهة) أن لديها 2622 قضية فساد موثقة تراوحت بين الفساد المالي والإداري وغيرهما. وتتعلق معظم هذه القضايا بوزارات الشؤون البلدية والقروية، والصحة، والتعليم، وإدارات حكومية أخرى.

ووفقاً لما ذكرته الهيئة فإن قضايا الفساد الموثقة اشتملت على إساءة استخدام السلطة، والاعتداء على المال العام، والواسطة، والمحسوبية، والتزوير، والرشوة، والابتزاز، والاختلاس وغيرها.
ومنذ تأسيسها ظلت نزاهة تعمل جاهدة، بحسب إمكاناتها وقدراتها، لمحاربة الفساد واستئصاله من الحياة العامة لكن يبدو أنها تحارب في معركة خاسرة فقد استشرى الداء واستفحل وأصبح من الصعب عليها وحدها مكافحته.
وظل مجلس الشورى يساند نزاهة في جهودها ويدعوها إلى بذل كل ما في وسعها لمحاربة الفساد والتشهير بالمفسدين مهما كانت مواقعهم فلا أحد فوق القانون.
ولم يظهر هذا المرض فجأة على السطح لكنه ظل يعتور تحت الجلد وينهش صحة المجتمع لسنوات طويلة حتى كاد أن يصبح ثقافة عامة وممارسة يومية لا تثير الدهشة أو الاستغراب. ولا أظن أنني أبالغ حين أقول إنه كاد أن يصبح مقنناً في بعض البلاد المتخلفة من دول العالم الثالث.
وهناك عوامل كثيرة أدت إلى استشراء الفساد منها على سبيل المثال، لا الحصر، ما ذكرته آنفاً بأنه قد أصبح ممارسة حياتية عادية.
وأصبح الناس يقدمون الرشوة تحت اسم الإكرامية أو «حق الشاي» ويتقبلها المرشيون على هذا الأساس الإنساني الذي يبدو ظاهره بريئاً بينما هو في الواقع شر مستطر.
ومن الأسباب أيضاً عجز الإدارات الحكومية على لجم الفاسدين وعجز كبار المسؤولين عن تطبيق القوانين بكل حزم وقوة على كل من تسول له نفسه ارتكاب جريمة الفساد بأية صورة من الصور أو أي شكل من الأشكال.
ومن هذه الأسباب كذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني وعدم وجود أجهزة للمراقبة والمحاسبة وإذا أمن الإنسان العقاب، أساء الأدب.
وليست لنزاهة عصا سحرية تستطيع بلمسة منها القضاء على الفساد ولهذا يجب علينا مساندة جهودها والوقوف معها بدلاً من نقدها وإبراز جوانب قصورها وكأنها المسؤولة وحدها عن انتشار هذا المرض.
ولعل أول خطوة لدعم جهود الهيئة هي وضع المناهج الدراسية التي تعلم الطلاب النزاهة والاستقامة وتنشر الوعي بينهم بضرورة الابتعاد عن أية صورة من صور الفساد.
والخطوة الثانية هي أن يضطلع الإعلام بدوره المنوط به في فضح كل الأعمال غير القانونية والتشهير بكل مفسد وعمل التقارير الصحفية الاستقصائية التي تكشف للمجتمع والسلطات المسؤولة أي سلوك خاطئ يرتكبه فرد أو مؤسسة لتبديد ثرواتنا القومية.
إن الحرب الشعواء على الفساد هي بلا شك عمل وطني من الطراز الأول الذي يجب أن يشارك فيه كل أبناء الوطن بدلاً من الحديث عن الفساد أثناء تناول القهوة أو شرب الشيشة.
ويجب أن تختفي من حياتنا وإلى الأبد اللامبالاة نحو الهدر والجشع والاختلاس والسرقة وغيرها من أنواع الفساد.
وكما أسلفت، يجب ألا يتقاعس الإعلام عن دوره الاجتماعي والوطني لمكافحة هذه الظاهرة غير الأخلاقية من خلال تركيزه على مبدأ المحاسبة والشفافية التي، بالأسف، تبدو غير موجودة في مجتمعنا.
ويجب أن تكون الإدارات الحكومية والمحاكم وغيرها من المؤسسات خاضعة لإرادة المواطنين متجاوبة مع طلباته مثلما هو الحال في الدول المتقدمة حيث لا يوجد جهاز فوق النقد أو المحاسبة.
ويجب أن يتخلى أبناء الوطن عن خوفهم وتقاعسهم من التبليغ الفوري عند التيقن من أية حالة فساد. ويجب وضع القوانين والأنظمة الكفيلة بحماية المبلغين بل ومكافأتهم على هذا العمل الإنساني الشجاع.
ويجب علينا أيضاً وضع مؤشر وطني مستقل للفساد والشفافية مثلما فعلت بعض الدول المتقدمة ومنها الدنمارك التي أصبحت بفضل هذا المؤشر أقل الدول فساداً في العالم.
وإذا وضع الإعلام والشعب أيديهم معاً فإننا حتماً سنتفوق على الدنمارك ومعاً سيكونون خط الدفاع الأول ضد الفساد.
وقبل كل هذا وذاك، يجب زيادة مستوى الوعي الاجتماعي ويجب على أفراد الشعب أن يدركوا أنهم مساهمون في الوطن وعليه فإنهم مسؤولون تماماً مثل كل الجهات الرسمية الأخرى عن التصدي للفساد.
إن الفساد هو السرطان الذي يأكل النسيج الاجتماعي في الوطن. لذا يجب علينا ألا نسمح للفساد بتقويض وطننا وتدمير لحمتنا الاجتماعية وتحطيم بنيتنا القومية ونهب مقدراتنا من أجل أجيال المستقبل.
لقد أهدرنا كثيراً من الوقت دون أن نفعل شيئاً ضد الفساد وقد حان الوقت لنتصدى جميعاً بيد واحدة وقوية لمعالجة هذا المرض وألا نترك المسؤولية على «نزاهة» وحدها فهي لن تستطيع عمل الكثير بمفردها.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment