Skip to content Skip to footer

التعاطي الإيجابي مع الإسلاموفوبيا

الهجمات الإرهابية في الشرق أو الغرب تعكس سلوكا إجراميا وانغلاقا على حالة ذهنية مرضية ومع كل هجوم إرهابي، ما لم يكن المنفذ يحمل اسما إسلاميا، لا يكون هناك أي حديث عن ديانته أو انتمائه العقدي.
ويختلف الأمر تماما إذا كان للإرهابي أي ارتباط بالإسلام والمسلمين من قريب أو بعيد فعندئذ يكثر الضجيج وتتعالى الأصوات المستنكرة والمدينة لهذا الدين العظيم وللشعوب الإسلامية المسالمة وكأنهم منبع الإجرام ومصدر كل الشرور والآثام.
وحتى أشخاص مثل المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب ومنافسه السابق تيد كروز، اللذين لم تكن لديهما أي فكرة عن البلد أو المدينة التي وقع فيها الهجوم، يسرعان في ركوب الموجة، فلم يكتفيا بإدانة الحادث بل طالبا بكل وقاحة بالدم الإسلامي كله بلا استثناء، وقالا أيضا إن هذا ليس كافيا، فالمسلمون جميعهم يجب أن يدفعوا الثمن.
وبعد حادث الدهس في مدينة نيس الفرنسية الذي راح ضحيته نحو 84 شخصا غير المصابين وارتكبه مواطن تونسي يعيش في فرنسا، استعد المسلمون المتدينون منهم والليبراليون والعلمانيون إلى هجوم كاسح عليهم فقط لأن مرتكب المجزرة يحمل اسما إسلاميا.
غير أن الوضع لم يكن كذلك هذه المرة فمرتكب الحادث له تاريخ حافل من العنف والإجرام، وهو سكير وعربيد كان يعيش مع امرأة فرنسية في الحرام وله منها ثلاثة أطفال كما أنه لم يكن يتورع عن أكل الخنزير المحرم بصورة قاطعة في الإسلام وكان يعاني من الاكتئاب ويصاب كثيرا بنوبات الغضب الشديد والنرفزة السريعة.
ولم يحدث أن ذهب المذكور لأداء الصلاة في أي مسجد وبالتالي لم يرتبط حادثه بأي جماعة إرهابية رغم إعلان داعش مسؤوليتها عن الحادث ورغم وجود أسلحة في شاحنته.
وكان أول ضحايا هذا الإرهابي عدد من المسلمين الذين كانوا يقضون أياما من السياحة في مدينة نيس الجميلة فهو قد بدأ بدهس المسلمين قبل السياح الآخرين.
وفي الصيف تصبح نيس وكان مدينتين خليجيتين بسبب كثرة المصطافين الخليجيين حيث تراهم يتسكعون ليل نهار على الكورنيش.
وبتحليل الحادث يتضح أن مرتكبه لم تكن له أية دوافع دينية وأنه لم يكن يدافع عن الإسلام لأن المسلمين كانوا أول ضحاياه.
لكن بالنسبة للمصابين بالذعر من الإسلام أو ما يمكن أن نسميهم بالإسلاموفوبيين الذين ينضحون بالجهل والكراهية فإن الأمر لم يكن يختلف كثيرا كما قال عبدالملك مجاهد، مدير شركة ساوند فيشن ماندجمنت في شيكاغو.
وحتى الذين هاجموا المسرح في سان دونيه وقتلوا نحو 130 شخصا كانوا مروجي مخدرات وسكارى ولم يكن الدفاع عن الإسلام يعني لهم أي شيء.
وتأسيسا على ما تقدم، كيف يمكن لنا أن نتحدى روايات السياسيين ونجوم الإعلام الذين يربطون بين الإسلام وبين أي عمل إرهابي ويحرضون على كراهية الإسلام والمسلمين؟
أنا لا أنكر وجود بعض المجرمين في مجتمعنا فهو ليس مجتمعا يوتوبيا لكنهم يظلون أقل خطرا وضررا من صناع السياسة المجرمين في بعض البلدان الذين يشنون الحروب ويروجون الكراهية ويخلقون مثل هذه الأجواء التي تسببت في زعزعة أمن العالم واستقراره.
ولعل من المناسب هنا التذكير بموقع الدكتور روبرت بيب الذي مولته وزارة الدفاع الأمريكية والذي يحتوي على قاعدة بيانات كاملة وكتب ومقالات ورسوم بيانية وأفلام وثائقية تثبت كلها أنه لم تكن هناك أية عمليات انتحارية أو تفجيرات إرهابية في أي بلد مسلم قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان ثم اجتياح العراق بعد ذلك.
إن الدول والشعوب الإسلامية على إطلاقها ترفض ممارسات داعش وتدين كل أشكال الإرهاب وتكره الاغتيالات والدماء، والمسلمون بشكل عام هم شعوب مسالمة وإن ارتبط الإرهاب ببعض الأسماء الإسلامية.
ولأصحاب السلطة والقرار في الدول الإسلامية قاطبة أقول طبقوا نظام الحوكمة الرشيدة، وحكم القانون والعدل ومبادئ الجدارة والاستحقاق وليس التمكين للموالين، وعندئذ فقط لن يولد الإرهابيون ولن ينحرف الشباب الصغار ولن يلتحقوا بالمنظمات الإرهابية.
وحينها لن ندفن رؤوسنا في الرمال ولن نخجل من أعمالنا ولن نعتذر عن أية أعمال مخالفة قد يرتكبها البعض منا الذين سلموا نفوسهم للشيطان.
إن الإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر على بلد دون آخر ولا على شعب دون آخر وليس لها دين أو وطن، وعليه فمن واجب الجميع احتواؤها والتبرؤ منها.
وإلى حين ذلك الوقت، يجب أن يكون تناولنا لقضايا الإسلاموفوبيا موضوعيا وإيجابيا ومتوازنا.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment