Skip to content Skip to footer

التسول: احتياج أم نصب؟

عمليات التسول لم تكثر فقط في مدينة جدة الساحلية الجميلة بل أصبحت صناعة متكاملة لها فنونها وأساليب عملها المتعددة.
وفي مدينة هي بوابة الحرمين الشريفين، يؤمها الحجاج والزوار من كل أنحاء العالم تصبح هذه العادة الذميمة مؤلمة ومؤذية خاصة في شهر رمضان، حيث تتبلور روح العطاء وتزداد معاني التصدق وتصبح ميزة خاصة في هذا الشهر الكريم.
وإذا توقفت في أية إشارة في أي شارع من شوارع جدة فإنك ستشاهد عشرات النساء المتشحات بالسواد وهن يخبطن بلا استحياء على نافذة السيارة طالبات حسنة لله.
وفي بعض الأحيان يكون الطرق على نافذة السيارة قويا لدرجة أن السائق قد يعتقد بأن هذا الإنسان الملفوف في السواد هو رجل وليس امرأة.
وإذا تجاوزنا الإشارات، فإننا سنجد أن التسول قد وجد طريقه إلى المساجد فحينما تنقضي الصلاة تجد شخصا أو عدة أشخاص يقفون ويحكون حكايات مروعة وسط الدموع الزائفة وهم يطلبون المساعدة بلا ذرة من خشية أو حياء.
وبعضهم يجلس عند أبواب المساجد ويحمل في يده صك إعسار أو ورقة من الشرطة تؤكد أن عليه دية بمبلغ كبير أو تقريرا طبيا يقول إنه يحتاج إلى عملية وهي تكلف مبلغا كبيرا.
وبعض هؤلاء المتسولين يدعي العجز والإعاقة لاستدرار عطف المصلين وهو بهذا العمل لا يختلف عن اللصوص والحرامية.
ومرة شاهدت رجلا يبدو عاجزا تماما وقررت أن أتوقف قليلا لأرى ماذا سيفعل وبعد قليل رأيته يركب في عربة جميلة الشكل ويغادر المكان بكل أريحية واطمئنان.
وبعض المتسولين يسأل الجيران عن صاحب منزل معين وعندما يعرف اسمه يذهب إلى ذلك المنزل وعندما تفتح له الخادمة أو السائق يسأل أين الشيخ فلان وكأنه من معارفه القدامى أو أصدقائه المقربين.
ولا يتورع المتسولون عن أية حيلة ليحصلوا بها على بعض المال من المتصدقين فقد تفاجأ بمتسول يعرض عليك ورقة قديمة تحمل أختاما رسمية بأنه معسر وغارم فتتعاطف معه وتجود عليه بما فتح الله عليك وأنت لا تعلم أن الرجل في حقيقته نصاب وقد ضحك عليك وابتز فلوسك التي أنت أحق بها منه، وقد تكون محتاجا لها لكن تغلب عليك روح الشهامة فتعطيها له وأنت سعيد بأنك قد ساعدت إنسانا مديونا!
وفي عصر الاتصالات الحديثة والانترنت والجوالات انتشر التسول الالكتروني، حيث إنك قد تستلم رسالة مكتوبة بلغة عربية سليمة من يتيم أو أرملة أو مطلقة تخلى زوجها عنها وعن أطفالها الصغار فتتعاطف مع المرسل في شهر الرحمة وأنت لا تدري أنك تساعد محتالا استطاع أن يكسب عطفك بحيلة معدومة الضمير.
وذات مرة جاءتني امرأة تحمل رسالة مكتوبة بلغة سليمة وخط جميل فطلبت من السكرتير إدخالها لكي توقع على ورقة تسلم الشيك فاكتشفت أنها لا تعرف الكتابة والقراءة!
هذه حيلة لم تنطل عليّ فهذه المرأة خلفها من يستغلها ويكتب لها الرسائل المؤثرة ليقتسم معها الغنيمة في نهاية اليوم.
وقد استغل هؤلاء النصابون مناسبة شهر الرحمة لكي يكسبوا الأموال بطريقة سهلة ويجنوا الثروات بينما يكون المتصدق هو أحوج منهم لصدقته.
هذه بعض الحيل التي يتبعها المتسولون للكسب السهل وهم من كل الأجناس والأعمار تفننوا في ابتكار الأساليب التي يدغدغون بها مشاعرك ويحصلون بها منك على ما لا يستحقون.
وهذا جرس إنذار أدقه لكم ولست الأول أو الأخير الذي يفعل هذا، وكل ما أردت قوله هو: واصلوا عطاءكم وأعطوا الصدقات في هذا الشهر الكريم وفي غيره من الشهور لكن للمستحقين فقط الذين تحسبهم أغنياء من التعفف.
وأرجو أيضا أن تحتاطوا من الذين يقابلونكم في محطات البنزين ويقولون لكم فضلا أريد بعض المال لتعبئة السيارة فإني مسافر إلى بلدي وليس بالسيارة وقود يكفي!
ونصيحتي لك أن تنظر إليه مليا في عينيه وتقول له بكل حزم «اغرب عن وجهي» أما إذا كنت إنسانا شديد الحياء كثير التهذيب فاعرض عليه أن توصله بسيارتك إلى حيث يشاء وعندها سيختفي ولن تجد له أثرا.
هذا شهر كريم وهو في خواتيمه التي هي عتق من النار، فأكثروا فيه وفي غيره من الصدقات.. لكن للمحتاجين فعلا.

خالد عبدالرحيم المعينا

Leave a comment