وفقاً لآخر استبيان، فإن نحو 46?% من الشباب العربي يؤمنون إيماناً قاطعاً بأن القيم التقليدية قد أصبحت بالية وأنهم، عوضاً عن ذلك، يتمنون التمسك بالقيم والمعتقدات الجديدة. وهذا الإيمان الجديد قد نما وتطور مع الزمن حيث كانت نسبته لا تتجاوز الــ17% قبل ثلاث سنوات أي في عام 2011.
وقد برزت نتائج هذا الاستبيان في منتدى الإعلام العربي الذي عقد مؤخراً في دبي وتمت مناقشته في المنتدى تحت عنوان: (ما هي مكونات القيم التقليدية أو الحديثة؟).
ومن الواضح أنه لا يوجد تعريف قاطع لمعنى القيم التقليدية أو مفهوم شامل لمعنى القيم الحديثة ومجتمعنا لا يزال في حاجة إلى الوصول إلى معانٍ محددةٍ لماهية هذه القيم.
وعلى أية حال فإنه في اللحظة التي يتحدث فيها أي إنسان عن ضرورة تحديث المجتمع فإن الانتقادات تنهال عليه بدون تفسير موضوعي لدعم وجهة نظرهم في هذه الانتقادات التي يبدو أنها تقوم فقط على فرضية أن أي محاولة للتحديث ستكون غير إسلامية.
ويوجد في مجتمعنا الكثيرون الذين ينظرون بعين الريبة والاتهام إلى أي عمل ولو كان ضئيلاً لتطوير المجتمع وتحديثه على أنه محاولة لمحاكاة الغرب وبالتالي الابتعاد عن الإسلام. وفي هذا الشأن طرح فادي غندور مؤسس شركة آرامكس السؤال التالي: «ما هي القيم الحديثة؟ هل هي قيادة السيارة، أو لعبة كرة التنس أو عدم لبس غطاء الرأس للمرأة أو التحدث باللغة الإنجليزية؟». والإجابات على الأسئلة السابقة ربما لا تنفع أحداً وستحتاج بدورها إلى كثير من التوضيحات. ومعارضة التحديث تكون غالباً عن الأشخاص اللذين يعتبرونها مفهوماً غريباً. وغالباً ما يضلل هؤلاء الناس المؤسسات الدينية أو العلماء الذين يقولون إن تحديث المجتمع هو تغريبه أي جعله مجتمعاً غريباً في كل شيء. ويعتقد هؤلاء الناس إننا سنتخلى بذلك عن قيمنا وموروثاتنا وثقافتنا الإسلامية.
ولا مندوحة بأن هؤلاء الناس مخطئون وقد فشلوا في إدراك أن الحداثة لا تعني التغريب وأنهما مفهومان مختلفان تماماً. ونحن لا نستطيع في هذا الزمن المتسارع أن نغفل تحديث المجتمع لكي نواكب تطور العالم في القرن الحادي والعشرين. وبالطبع فنحن لا نستطيع تجاهل حقوق المرأة ووجودها كعضو فاعل في المجتمع. واليوم أنت لا تستطيع إلا أن تحترم المرأة العالمة والممرضة التي تضحي بحياتها من أجل إنقاذ الآخرين. ومن غير اللائق أيضاً ألا نقدر المضيفات الجويات اللاتي يتفانين في خدمتنا أثناء سفرنا على الرحلات الجوية أو ألاّ نحترم مذيعات التلفزيون اللاتي تقدمن البرامج المفيدة ويجرين المقابلات التي تتناول كثيراً من الأمور التي تؤثر على حياتنا. وكيف يمكن لأي إنسان عاقل أن يتجاهل دور المرأة في الحياة العامة في هذا الزمن؟
ومن المضحك المبكي أن الناس الذين ينتقدون الحداثة يستخدمون وسائل الاتصالات الحديثة لعمل ذلك متجاهلين أن هذه الوسائل نفسها هي من نتاج الحداثة. إنه بالحق تناقض واضح أن تجد البعض منا يستخدم الفيس بوك، تويتر، والواتس اب لتوجيه اتهامه نحو التحديث!
ومن المعلوم أن الثقافات والتقاليد والعادات تختلف من بلد لآخر بل هي تختلف من منطقة لأخرى في البلد الواحد. فعلى سبيل المثال فإن نظرتنا للمرأة العاملة، وتربية الأطفال ومعاملة العمال تختلف من منطقة إلى منطقة في بلدنا العزيزة.
لقد تغير العالم كثيراً مما كان عليه قبل سنوات قليلة. والأفكار الجديدة والوسائل الجديدة للتعليم هي التي تحدد طريقة تعاملنا مع الآخرين فهل يعني امتلاكنا للوسائل الحديثة للتعليم والاتصالات أننا قد بعدنا عن تقاليدنا الإسلامية الراسخة؟ الإجابة.. بالقطع لا. وكما نعلم جميعاً فإن الدين هو المعاملة وعليه يجب أن نولي هذا الجانب ما يستحقه من اهتمام وأن نتعامل مع الآخرين بالحسنى كما أوصانا ديننا الحنيف. وحيث إننا قد أغلقنا باب « الاجتهاد « منذ زمن طويل وفقدنا بذلك قوة المنطق، فإن قوة الإقناع المتبصر قد اختفت تماماً أو كادت وسط مجتمعنا خاصةً المعلمين. وإذا فتح الله على أحدنا بقوة المنطق، فإن المتشددين سينظرون إليه بكثير من الدهشة والاستغراب.
وليس من السهل على الكثيرين في مجتمعنا قبول فكرة التغير بل إنهم سيسارعون بوصف أية فكرة ولو بسيطة لإحداث نوع من التغير بأنها محاولة لتخريب المجتمع وجعله مثل المجتمعات الغربية وذلك حتى يتجنبوا التعرض للهجوم من الإسلاميين المتشددين. ومن المهم أن نفهم جميعاً أننا لا نتخلى عن تقاليد ديننا الإسلامي الحنيف أو نتنازل عن قيمه ومبادئه إذا حاولنا تحديث المجتمع وتطويره وعلينا جميعناً أن نعلم أن التحديث ليس هو التخريب.